إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَقَدِمۡنَآ إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِنۡ عَمَلٖ فَجَعَلۡنَٰهُ هَبَآءٗ مَّنثُورًا} (23)

{ وَقَدِمْنَا إلى مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُوراً } بيانٌ لحالِ ما كانُوا يعملونَه في الدُّنيا من صلةِ رحمٍ وإغاثةِ ملهوفٍ . وقرى ضيفٍ ومنِّ على أسير وغير ذلك من مكارمِهم ومحاسِنهم التي لو كانُوا عملُوها مع الإيمانِ لنالُوا ثَوابَها بتمثيلِ حالِهم وحالِ أعمالِهم المذكورةِ بحال قومٍ خالفُوا سلطانَهم واستعصَوا عليه فقدمَ إلى أشيائِهم وقصدَ ما تحت أيديهم فأنحى عليها بالإفسادِ والتَّحريقِ ومزَّقها كلَّ تمزيقٍ بحيث لم يَدع لها عيناً ولا أثراً أي عمَدنا إليها وأبطلَناها أي أظهرنا بُطلانَها بالكلِّيةِ من غير أنْ يكونَ هناك قدومٌ ولا شيء يُقصد تشبيهه به والهَبَاءُ شبه غبارٍ يُرى في شعاعِ الشَّمسِ يطلع من الكُوَّة من الهبوةِ وهي الغبارُ ومنثُوراً صفتُه شبه به أعمالَهم المُحبَطةَ في الحقارةِ وعدمِ الجَدوى ثمَّ بالمنثُور منه في الانتشارِ بحيثُ لا يمكن نظمُه أو مفعولٌ ثالثٌ من حيثُ إنَّه كالخبر كما في قوله تعالى : { كَونُواْ قِرَدَةً خاسئين } [ سورة البقرة : الآية :65 ] .