اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَقَدِمۡنَآ إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِنۡ عَمَلٖ فَجَعَلۡنَٰهُ هَبَآءٗ مَّنثُورًا} (23)

قوله : { وَقَدِمْنَا إلى مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ } أي : وعمدنا إلى عملهم .

قوله : { فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُوراً } . الهَبَاءُ والهَبْوَةُ : التراب الدقيق . قاله ابن عرفة{[35837]} .

قال الجوهري : يقال فيه : هَبَا يَهْبُو : إذا ارتفع ، وأَهْبَبْتُهُ أَنَا إِهْبَاءً{[35838]} .

وقال الخليل والزجاج : هو مثل الغبار الداخل في الكوَّة يتراءى مع ضوء الشمس{[35839]} فلا يمس بالأيدي ولا يرى في الظل . وهو قول الحسن وعكرمة ومجاهد{[35840]} .

وقيل : الهَبَاءُ ما تطاير من شرر النَّار إذا أُضْرِمَتْ{[35841]} ، والواحدة هباءة على حد تَمْر وتَمْرَة . و «مَنْثُوراً » أي{[35842]} : مفرَّقاً ، نثرت الشيء فرَّقته . والنَّثْرَةُ{[35843]} لنجوم متفرقة{[35844]} . والنَّثْرُ : الكلام غير المنظوم على المقابلة بالشعر .

قال ابن عباس وقتادة وسعيد بن جبير : هو{[35845]} ما تسفيه الرياح ، وتذريه من التراب ، ( وحطام الشجر{[35846]} ) {[35847]} .

وقال مقاتل : هو ما يسطع{[35848]} من حوافر الدواب عند السير{[35849]} .

وفائدة الوصف به أنَّ الهَبَاءَ تراه منتظماً مع الضوء ، فإذا حرّكته تفرَّق ، فجيء بهذه الصفة لتفيد ذلك{[35850]} . وقال الزمخشري : أو مفعول ثالث{[35851]} ل «جَعَلْنَاهُ » أي : فَجَعَلْنَاهُ جامعاً لحقارة الهَبَاء والتناثر{[35852]} ، كقوله : «كُونُوا »{[35853]} { قِرَدَةً خَاسِئِينَ } [ الأعراف : 66 ] أي : جامعين للمسخ والخسأ{[35854]} .

قال أبو حيان : وخالف{[35855]} ابن درستويه ، فخالف النحويين في منعه أن يكون ل ( كان ) خبران وأزيد{[35856]} ، وقياس قوله في ( جعل ) أن يمنع{[35857]} أن يكون لها خبر ثالث{[35858]} .

قال شهاب الدين : مقصوده أن كلام الزمخشري مردودٌ قياساً على ما منعه ابن درستويه من تعديد{[35859]} خبر ( كَانَ ){[35860]} .


[35837]:انظر القرطبي 13/22، البحر المحيط 6/478. وابن عرفة هو إبراهيم بن محمد بن عرفة الملقب بنفطويه، من أئمة اللغة، والنحو، أخذ عن ثعلب والمبرد، ومن مصنفاته: إعراب القرآن، المقنع في النحو. الأمثال، المصادر، وغير ذلك، مات سنة 323 هـ. بغية الوعاة 1/328 – 330.
[35838]:الصحاح (هبا) 6/2532.
[35839]:قال الخليل: (والهباء دقاق التراب ساطعة ومنثورة على وجه الأرض والهباء المنبث ما يظهر في الكوى من ضوء الشمس) العين (هبو) 4/67 وانظر معاني القرآن وإعرابه 4/64.
[35840]:انظر البغوي 6/169.
[35841]:انظر البحر المحيط 6/478.
[35842]:في ب: و. وهو تحريف.
[35843]:والنثرة: سقط من ب.
[35844]:اللسان (نثر).
[35845]:في ب: وهو.
[35846]:انظر البغوي 6/169.
[35847]:ما بين القوسين سقط من ب.
[35848]:في ب: يستطير.
[35849]:انظر البغوي 6/169.
[35850]:انظر الكشاف 3/94، البحر المحيط 6/492.
[35851]:في ب: ثان. وهو تحريف.
[35852]:في ب: المتناثر.
[35853]:كونوا: سقط من ب.
[35854]:الكشاف 3/94. والخسء: الطرد والدحر. اللسان (خسأ).
[35855]:في الأصل: وخالفه.
[35856]:ذهب ابن درستويه وابن أبي الربيع إلى منع تعدد خبر (كان) وقالا: ووجهه أن هذه الأفعال شبهت بما يتعدى إلى واحد فلا يزاد على ذلك والمجوزون قالوا: هو في الأصل خبر مبتدأ، فإذا جاز تعدده مع العامل الأضعف وهو الابتداء فمع الأقوى أولى. انظر الهمع 1/114.
[35857]:أن يمنع: سقط من ب.
[35858]:البحر المحيط 6/493.
[35859]:في ب: تقدير. وهو تحريف.
[35860]:الدر المصون 5/134.