المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{يُرۡسَلُ عَلَيۡكُمَا شُوَاظٞ مِّن نَّارٖ وَنُحَاسٞ فَلَا تَنتَصِرَانِ} (35)

35- يصب عليكما لهب من نار ونحاس مذاب ، فلا تقدران على دفع هذا العذاب{[215]} .


[215]:النحاس هو فلز يعتبر من أول العناصر الفلزية التي عرفها الإنسان منذ قديم الزمن، ويتميز بأن درجة انصهاره مرتفعة جدا (حوالي 1083 درجة مئوية) فإذا ما صب هذا السائل الملتهب على جسد، مثل ذلك صنفا من أقسى أنواع العذاب ألما وأشدها أثرا.
 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يُرۡسَلُ عَلَيۡكُمَا شُوَاظٞ مِّن نَّارٖ وَنُحَاسٞ فَلَا تَنتَصِرَانِ} (35)

{ 35-36 } { يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ }

ثم ذكر ما أعد لهم في ذلك الموقف العظيم{[953]}  فقال : { يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شواظ من نار [ ونحاس فلا تنصران فبأي آلاء ربكما تكذبان } أي : يرسل عليكما ] لهب صاف من النار .

{ ونحاس } وهو اللهب ، الذي قد خالطه الدخان ، والمعنى أن هذين الأمرين الفظيعين يرسلان عليكما يا معشر الجن والإنس ، ويحيطان بكما فلا تنتصران ، لا بناصر من أنفسكم ، ولا بأحد ينصركم من دون الله .


[953]:- في ب: في ذلك اليوم.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يُرۡسَلُ عَلَيۡكُمَا شُوَاظٞ مِّن نَّارٖ وَنُحَاسٞ فَلَا تَنتَصِرَانِ} (35)

يرسل عليكما شواظ لهب من نار ونحاس ودخان قال تضيء كضوء السراج السلي ط لم يجعل الله فيه نحاسا أو صفر مذاب يصب على رؤوسهم وقرأ ابن كثير شواظ بالكسر وهو لغة ونحاس بالجر عطفا على نار ووافقه فيه أبو عمرو ويعقوب في رواية وقرئ ونحس وهو جمع كلحف فلا تنتصران فلا تمتنعان .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يُرۡسَلُ عَلَيۡكُمَا شُوَاظٞ مِّن نَّارٖ وَنُحَاسٞ فَلَا تَنتَصِرَانِ} (35)

والشواظ : لهب النار . قاله ابن عباس وغيره . وقال أبو عمرو بن العلاء : لا يكون الشواظ إلا من النار وشيء معها ، وكذلك النار كلها لا تحس إلا وشيء معها . وقال مجاهد : الشواظ ، هو اللهب الأخضر المتقطع ، ويؤيد هذا القول . قول حسان بن ثابت يهجو أمية بن أبي الصلت :

هجوتك فاختضعت حليفا ذل . . . بقاقية تؤجج كالشواظ{[10832]}

وقال الضحاك : هو الدخان الذي يخرج من اللهب وليس بدخان الحطب .

وقرأ الجمهور : «شُواظ » بضم الشين . وقرأ ابن كثير وحده{[10833]} وشبل وعيسى : «شِواظ » بكسر الشين وهما لغتان .

وقال ابن عباس وابن جبير : النحاس الدخان ، ومنه قول الأعشى : [ المتقارب ]

تضيء كضوء سراج السليط . . . لم يجعل الله فيه نحاسا{[10834]}

السليط دهن السراج . في النسخ التي بأيدينا دهن الشيرج .

وقرأ جمهور القراء : «ونحاسٌ » بالرفع عطفاً على { شواظ } ، فمن قال إن النحاس : هو المعروف ، وهو قول مجاهد وابن عباس أيضاً قال يرسل عليهما نحاس : أي يذاب ويرسل عليهما . ومن قال هو الدخان ، قال ويعذبون بدخان يرسل عليهما . وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والنخعي وابن أبي إسحاق : «ونحاسٍ » بالخفض عطفاً على { نار } ، وهذا مستقيم على ما حكيناه عن أبي عمرو بن العلاء . ومن رأى الشواظ يختص بالنار قدر هنا : وشيء من نحاس . وحكى أبو حاتم عن مجاهد أنه قرأ : «ونِحاسٍ » بكسر النون والجر . وعن عبد الرحمن بن أبي بكرة أنه قرأ : «ونَحُسّ » بفتح النون وضم الحاء والسين المشددة ، كأنه يقول : ونقتل بالعذاب{[10835]} . وعن أبي جندب أنه قرأ : «ونحس » ، كما تقول : يوم نحس ، وحكى أبو عمرو مثل قراءة مجاهد عن طلحة بن مصرف ، وذلك لغة في نحاس ، وقيل هو جمع نحس .

ومعنى الآية : مستمر في تعجيز الجن والإنس ، أي أنتما بحال من يرسل عليه هذا فلا ينتصر .


[10832]:هذا البيت من قصيدة قالها حسان بن ثابت في الرد على هجاء أمية بن خلف له، وليس أمية بن أبي الصلت، والذي قاله أمية بن أبي الصلت هو الثعلبي في تفسيره، وكذلك الماوردي، ولكن ورد في الصحاح، واللسان، والتاج، وكتاب الوقف والابتداء لابن الأنباري وديوان حسان أن الأبيات في الرد على أمية بن خلف حين قال يهجو حسان بن ثابت: ألا من مُبلغ حسان عني مُغلغلة تدب إلى عكاظ أليس أبوك فينا كان قينا لدى القينات فسلا في الحفاظ يمانيا يظل يشد كيرا وينفخ دائبا لهب الشواظ؟ ورواية البيت في الديوان تختلف كثيرا عما هنا، فهو هناك: مجللة تعممكم شنارا مضرمة تأجج كالشواظ والشنّار: الأمر المشهور بالشنعة والقبح، ويقال: عار وشنار. وتعممكم: تشملكم جميعا وتتناول كل فرد منكم، أما رواية البيت كما ذكرها ابن عطية هنا فهي التي وردت في سيرة ابن هشام مع اختلاف يسير عما هنا، فقد وردت هكذا: هجوتك فاختضعت لذل نفس بقافية تأجج كالشواظ والشاهد في بيت حسان وفي شعر أمية بن خلف استعمال الشواظ بمعنى اللهب.
[10833]:أي وحده من بين السبعة المشهورين في القراءة.
[10834]:هذا البيت للنابغة الجعدي، عبد الله بن قيس، وليس للأعشى، وهو من قصيدة مشهورة للجعدي يقول في مطلعها: لبست أناسا فأفنيتهم وأفنيت بعد أناس اناسا وهو في الصحاح، والتاج، واللسان، وخزانة الأدب، والكامل. والسليط عند عامة العرب: الزيت، وعند أهل اليمن: دهن السمن وهو الشيرج كما يقول ابن عطية، والنحاس: الدخان وهو الشاهد هنا. والضمير في "يضيء" يعود على وجه الفتاة الذي ذكره في البيت السابق وهو: أضاءت لنا النار وجها أغـ ر ملتبسا بالفؤاد التباسا.
[10835]:قال أبو الفتح:"نحس" أي نقتل بالعذاب، يقال: حس القوم يحسهم حسا إذا استأصلهم، قال الله تعالى:{إذ تحسونهم بإذنه}، أي: تقتلونهم قتلا ذريعا.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{يُرۡسَلُ عَلَيۡكُمَا شُوَاظٞ مِّن نَّارٖ وَنُحَاسٞ فَلَا تَنتَصِرَانِ} (35)

استئناف بياني عن جملة { إن استطعتم أن تنفذوا } [ الرحمن : 33 ] الخ لأن ذلك الإِشعار بالتهديد يثير في نفوسهم تساؤلاً عمّا وَراءه .

وضمير { عليكما } راجع إلى الجنّ والإِنس فهو عام مراد به الخصوص بالقرينة ، وهي قوله بعده : { ولمن خاف مقام ربه جنتان } [ الرحمن : 46 ] الآيات . وهذا تصريح بأنهم معاقبون بعد أن عُرض لهم بذلك تعريضاً بقوله : { إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا } [ الرحمن : 33 ] .

ومعنى { يرسل عليكما } أن ذلك يعترضهم قبل أن يَلجوا في جهنم ، أي تقذفون بشُواظ من نار تعجيلاً للسوء . والمضارع للحال ، أي ويرسل عليكما الآن شواظ .

والشواظ بضم الشين وكسرها : اللهب الذي لا يخالطه دخان لأنه قد كمل اشتعاله وذلك أشد إحراقاً . وقرأه الجمهور بضم الشين . وقرأه ابن كثير بكسرها .

والنّحاس : يطلق على الدخان الذي لا لهب معه . وبه فسر ابن عباس وسعيد بن جبير وتبعهما الخليل .

والمعنى عليه : أن الدخان الذي لم تلحقهم مضرته والاختناق به بسبب شدة لهب الشواظ يضاف إلى ذلك الشواظ على حياله فلا يفلتون من الأمرينِ .

ويطلق النحاس على الصُّفْر وهو القِطر . وبه فسر مجاهد وقتادة ، وروي عن ابن عباس أيضاً . فالمعنى : أنه يصبّ عليهم الصُّفْر المُذاب .

وقرأ الجمهور { ونحاس } بالرفع عطفاً على { شواظ } . وقرأه ابن كثير وأبو عمرو وروْح عن يعقوب مجروراً عطفاً على { نار } فيكون الشواظ منه أيضاً ، أي شواظ لهب من نار ، ولهب من نحاس ملتهب . وهذه نار خارقة للعادة مثل قوله تعالى : { وقودها الناس والحجارة } [ البقرة : 24 ] .

ومعنى { فلا تنتصران } : فلا تجدان مخلصاً من ذلك ولا تجدان ناصراً .

والناصر : هنا مراد منه حقيقته ومجازه ، أي لا تجدان من يدفع عنكما ذلك ولا ملجأ تتّقيان به .