{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ }
هذا خطاب للناس كلهم ، مؤمنهم وكافرهم ، فامتن عليهم بأن أمرهم أن يأكلوا من جميع ما في الأرض ، من حبوب ، وثمار ، وفواكه ، وحيوانات ، حالة كونها { حَلَالًا } أي : محللا لكم تناوله ، ليس بغصب ولا سرقة ، ولا محصلا بمعاملة محرمة أو على وجه محرم ، أو معينا على محرم .
{ طَيِّبًا } أي : ليس بخبيث ، كالميتة والدم ، ولحم الخنزير ، والخبائث كلها ، ففي هذه الآية ، دليل على أن الأصل في الأعيان الإباحة ، أكلا وانتفاعا ، وأن المحرم نوعان : إما محرم لذاته ، وهو الخبيث الذي هو ضد الطيب ، وإما محرم لما عرض له ، وهو المحرم لتعلق حق الله ، أو حق عباده به ، وهو ضد الحلال .
وفيه دليل على أن الأكل بقدر ما يقيم البنية واجب ، يأثم تاركه لظاهر الأمر ، ولما أمرهم باتباع ما أمرهم به - إذ هو عين صلاحهم - نهاهم عن اتباع { خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ } أي : طرقه التي يأمر بها ، وهي جميع المعاصي من كفر ، وفسوق ، وظلم ، ويدخل في ذلك تحريم السوائب ، والحام ، ونحو ذلك ، ويدخل فيه أيضا تناول المأكولات المحرمة ، { إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ } أي : ظاهر العداوة ، فلا يريد بأمركم إلا غشكم ، وأن تكونوا من أصحاب السعير ، فلم يكتف ربنا بنهينا عن اتباع خطواته ، حتى أخبرنا - وهو أصدق القائلين - بعداوته الداعية للحذر منه ،
{ يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا } نزلت في قوم حرموا على أنفسهم رفيع الأطعمة والملابس ، وحلالا مفعول كلوا ، أو صفة مصدر محذوف ، أو حال مما في الأرض ومن للتبعيض إذ لا يؤكل كل ما في الأرض { طيبا } يستطيبه الشرع ، أو الشهوة المستقيمة . إذ الحلال دل على الأول . { ولا تتبعوا خطوات الشيطان } لا تقتدوا به في اتباع الهوى فتحرموا الحلال وتحللوا الحرام . وقرأ نافع وأبو عمرو وحمزة والبزي وأبو بكر حيث وقع بتسكين الطاء وهما لغتان في جمع خطوة ، وهي ما بين قدمي الخاطي . وقرئ بضمتين وهمزة جعلت ضمة الطاء كأنها عليها ، وبفتحتين على أنه جمع خطوة وهي المرة من الخطو { إنه لكم عدو مبين } ظاهر العداوة عند ذوي البصيرة وإن كان يظهر الموالاة لمن يغويه ، ولذلك سماه وليا في قوله تعالى : { أولياؤهم الطاغوت } .
يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ( 168 )
الخطاب عام و { ما } بمعنى الذي ، و { حلالاً } حال من الضمير العائد على { ما } ، وقال مكي : نعت لمفعول محذوف تقديره شيئاً حلالاً .
قال القاضي أبو محمد : وهذا يبعد( {[1531]} ) ، وكذلك مقصد الكلام لا يعطي أن يكون { حلالاً } مفعولاً ب { كلوا } وتأمل ، و { طيباً } نعت ، ويصح أن يكون { طيباً } حالاً من الضمير في { كلوا } تقديره مستطيبين( {[1532]} ) ، والطيب عند مالك : الحلال ، فهو هنا تأكيد لاختلاف اللفظ ، وهو عند الشافعي : المستلذ( {[1533]} ) ، ولذلك يمنع أكل الحيوان القذر وكل ما هو خبيث ، و { خطوات } جمع خطوة وهي ما بين القدمين في المشي ، فالمعنى النهي عن اتباع الشيطان وسلوك سبله وطرائقه ، قال ابن عباس : خطواته أعماله ، قال غيره : آثاره( {[1534]} ) ، قال مجاهد : خطاياه ، قال أبو مجلز( {[1535]} ) : هي النذور والمعاصي ، قال الحسن : نزلت فيما سنوه من البحيرة والسائبة ونحوه ، قال النقاش : نزلت في ثقيف وخزاعة وبني الحارث بن كعب( {[1536]} ) .
وقرأ ابن عامر والكسائي «خطوات » بضم الخاء والطاء ، ورويت عن عاصم وابن كثير بخلاف ، وقرأ الباقون بسكون الطاء ، فإما أرادوا ضم الخاء والطاء وخففوها إذ هو الباب في جمع فعلة كغرفة وغرفات ، وإما أنهم تركوها في الجمع على سكونها في المفرد ، وقرأ أبو السمال «خَطَوات » بفتح الخاء والطاء وروي عن علي بن أبي طالب وقتادة والأعمش وسلام ( {[1537]} )«خطؤات » بضم الخاء والطاء وهمزة على الواو ، وذهب بهذه القراءة إلى أنها جمع خطأة من الخطأ لا من الخطو . وكل ما عدا السنن والشرائع من البدع والمعاصي فهي خطوات الشيطان ، و { عدو } يقع للمفرد والتثنية والجمع .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.