فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ حَلَٰلٗا طَيِّبٗا وَلَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيۡطَٰنِۚ إِنَّهُۥ لَكُمۡ عَدُوّٞ مُّبِينٌ} (168)

{ يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا } قيل إنها نزلت في ثقيف وخزاعة وعامر ابن صعصعة وبني مدلج فيما حرموه على أنفسهم من الحرث والأنعام حكاه القرطبي في تفسيره ، وهذا هو المشهور بخلاف ما جرى عليه القاضي من أنها نزلت في قوم حرموا على أنفسهم رفيع الأطعمة والملابس فإنه مرجوح ، قاله الكرخي ولكن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، وسمي الحلال حلالا لانحلال عقدة الحظر عنه ، والطيب هنا هو المستلذ كما قاله الشافعي وغيره ، وقال مالك وغيره : هو الحلال فيكون تأكيدا لقوله حلالا .

{ ومن } في مما للتبعيض للقطع بأن في الأرض ما هو حرام كالحجارة لا يؤكل أصلا ، وليس كل ما يؤكل يجوز أكله فلذلك قال حلالا والأمر مستعمل في كل من الوجوب والندب والإباحة ، الأول إذا كان لقيام البنية ، والثاني كالأكل مع الضيف ، والثالث كغير ما ذكر ، وقيل معنى حلالا مأذونا فيه شرعا والطيب الحلال وإن لم يستلذ كالأدوية ، وفي هذه الآية دليل على أن كل ما لم يرد فيه نص أو ظاهر من الأعيان الموجودة في الأرض فأصله الحل حتى يرد دليل يقتضي تحريمه وأوضح دلالة على ذلك من هذه الآية قوله تعالى : { وهو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا } .

{ ولا تتبعوا خطوات الشيطان } جمع خطوة بالفتح والضم وهي الفتح المرة وبالضمة لما بين القدمين ، وقيل إنهما لغتان وقرئ خطوات بضم الخاء والطاء والهمز على الواو ، قال الأخفش : وذهبوا بهذه القراءة إلى أنها جمع خطيئة من الخطأ لا من الخطو ، والمعنى على قراءة الجمهور لا تقتفوا أثر الشيطان وطرقه وتزيينه وعمله ، وكل ما يرد به الشرع فهو منسوب إلى الشيطان وقيل النذور في المعاصي وقيل المحقرات من الذنوب ، والأولى التعميم وعدم التخصيص بفرد أو نوع ، قال ابن عباس : ما خالف القرآن فهو من خطوات الشيطان ، وقال عكرمة : هي نزعات الشيطان ، وعن سعيد ابن جبير قال : هي تزيين الشيطان ، وقال قتادة : كل معصية لله فهي من خطواته ، وعن ابن عباس : ما كان من يمين أو نذر في غضب فهو من الخطوات وكفارته كفارة يمين .

{ إنه لكم عدو } تعليل للنهي عن الاتباع { مبين } أي ظاهر العداوة ومثله قوله تعالى { إنه عدو مضل مبين } وقوله { إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا } وقد أظهر الله عداوته بآية السجود لآدم . {[153]}


[153]:وهذا غاية في التحذير، ومثله في القرآن كثير. وقال عبد الله ابن عمر: إن إبليس موثق في الأرض السفلى فإذا تحرك فإن كل شر في الأرض بين اثنين فصاعدا من تحركه. وخرج الترمذي من حديث أبي مالك الأشعري وفيه: (وآمركم أن تذكروا الله فإن مثل ذلك كمثل رجل خرج العدو في أثره سراعا حتى إذا أتى على حصن حصين فأحرز نفسه منهم كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله) الحديث. وقال فيه: حديث حسن صحيح غريب).