محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ حَلَٰلٗا طَيِّبٗا وَلَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيۡطَٰنِۚ إِنَّهُۥ لَكُمۡ عَدُوّٞ مُّبِينٌ} (168)

/ { يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين 168 } .

{ يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا } حال أو مفعول ، وهو ما انتفى عنه حكم التحريم { طيبا } أي : مستطابا في نفسه ، غير ضار للأبدان ولا للعقول .

وقد روى الحافظ أبو بكر بن مردويه بسنده عن ابن عباس قال : ( تليت هذه الآية عند النبي صلى الله عليه وسلم { يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا } فقام سعد بن أبي وقّاص فقال : يا رسول الله ! ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة ! فقال : يا سعد ! أَطِبْ مطعمك تكن مستجاب الدعوة . والذي نفس محمد بيده ! إن الرجل ليقذف اللقمة الحرام في جوفه ما يتقبل منه أربعين يوما ، وأيّما عبد نبت لحمه من السحت والربا فالنار أولى به ) . . ! { ولا تتبعوا خطوات الشيطان } وهي طرائقه ومسالكه فيما أضل أتباعه فيه من تحريم البحائر والسوائب والوصائل ونحوها . . . مما زينه لهم في جاهليتهم ، كما في حديث عياض بن حمار الذي في ( صحيح مسلم ) {[931]} عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( يقول الله تعالى : إن كل مال منحته عبادي فهو لهم حلال ) وفيه : ( وإني خلقت عبادي حنفاء ، فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم ، وحرمت عليهم ما أحللت لهم ) .

/ ومما يدخل في خطوات الشيطان : كل معصية لله ، ومنها : النذور في المعاصي ، كما قاله بعض السلف في الآية .

قال الشعبي : نذر رجل أن ينحر ابنه ، فأفتاه مسروق بذبح كبش ، وقال : هذا من خطوات الشيطان !

وقال أبو الضحى عن مسروق : ( أُتِيَ عبد الله بن مسعود بضرع وملح ، فجعل يأكل ، فاعتزل رجل من القوم ، فقال ابن مسعود : ناولوا صاحبكم ؛ فقال :لا أريده . ؛ فقال : أصائم أنت ؟ قال : لا . . ! قال : فما شأنك ؟ قال : حرمت أن آكل ضرعا أبدا . . ! فقال ابن مسعود هذا من خطوات الشيطان ، فاطعم وكفّر عن يمينك . . ! ) رواه ابن أبي حاتم .

وروي أيضا عن أبي رافع قال : غضبت يوما على امرأتي ، فقالت : هي يوما يهودية / ويوما نصرانية ، وكل مملوك لها حر إن لم تطلق امرأتك . . ! فأتيت عبد الله بن عمر فقال : إنما هذه من خطوات الشيطان . . ! وكذلك قالت زينب بنت أم سلمة وهي يومئذ أفقه امرأة في المدينة وأتيت عاصما وابن عمر فقالا مثل ذلك .

وروى عبد بن حميد عن ابن عباس قال : ( ما كان من يمين أو نذر في غضب ، فهو من خطوات الشيطان ، وكفارته كفارة يمين ! ) نقله الإمام ابن كثير الدمشقي .

{ إنه لكم عدو مبين } تعليل للنهي ، للتنفير عنه والتحذير منه كما قال { إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوّا ، إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير } {[932]} وقال تعالى { أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني ، وهم لكم عدو ، بئس للظالمين بدلا } {[933]} .


[931]:أخرجه مسلم في: 51 – كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، حديث 63 (طبعتنا). وهاكموه بنصه الكامل: عن عياض بن حمار المجاشعيّ؛ (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال، ذات يوم في خطبته ألا إن ربي أمرني أن أعلّمكم ما جهلتم بما علّمني، يومي هذا. كل مال نحلته عبدا، حلال. وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم. وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم. وحرمت عليهم ما أحللت لهم. وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا. وإن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم، عربهم وعجمهم، إلا بقايا من أهل الكتاب. وقال إنما بعثتك لأبتليك وأبتليَ بك. وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء. تقرؤه نائما ويقظان. وإن الله أمرني أن أحرّق قريشا. فقلت: رب! إذاً يثلغوا رأسي فيدعوه خبزة. قال: استخرجهم كما استخرجوك. واغزهم نغزك. وأنفق فسننفق عليك. وابعث جيشا نبعث خمسة مثله. وقاتل بمن أطاعك من عصاك. قال: وأهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدّق موفّق. ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى، ومسلم. وعفيف متعفّف ذو عيال. قال: وأهل النار خمسة: الضعيف الذي لا زبر له، الذين هم فيكم تبعا لا يتبعون أهلا ولا مالا. والخائن الذي لا يخفى له طمع، وإن دقَّ إلا خانه. ورجل لا يصبح ولا يمسي إلا وهو يخادعك عن أهلك ومالك).
[932]:[35/ فاطر/ 6].
[933]:[18/ الكهف/ 50] ونصها: {وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا 50}.