إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ حَلَٰلٗا طَيِّبٗا وَلَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيۡطَٰنِۚ إِنَّهُۥ لَكُمۡ عَدُوّٞ مُّبِينٌ} (168)

{ يا أَيُّهَا الناس كُلُواْ مِمَّا فِي الأرض } أي بعضِ ما فيها من أصناف المأكولات التي من جملتها ما حرّمتموه افتراءً على الله من الحرْثِ والأنعام . قال ابن عباس رضي الله عنهما : نزلت في قومٍ من ثقيفٍ وبني عامرِ بنِ صَعْصَعةَ وخُزاعةَ وبني مدلج حرَّموا على أنفسهم ما حرّموا من الحرْث{[83]} والبحائرِ{[84]} والسوائبِ والوصائل والحامِ ، وقولُه تعالى : { حلالا } حال من الموصول أي كلوه حال كونه حلالاً ، أو مفعولٌ لكلوا على أنّ مِنْ ابتدائيةٌ وقد جُوِّز كونُه صفةً لمصدر مؤكَّدٍ أي أكلاً حلالاً ، ويؤيد الأولَيْن قولُه تعالى : { طَيّباً } فإنه صفةٌ له ووصفُ الأكل به غيرُ معتاد ، وقيل : نزلت في قوم من المؤمنين حرموا على أنفسهم رفيعَ الأطعمة والملابس ، ويردّه قوله عز وجل : { وَلاَ تَتَّبِعُواْ خطوات الشيطان } أي لا تقتدوا بها في اتباع الهوى فإنه صريحٌ في أن الخطابَ للكفرة ، كيف لا وتحريمُ الحلال على نفسه تزهيداً ليس من باب اتباع خطواتِ الشيطانِ فضلاً عن كونه تقوُّلاً وافتراءً على الله تعالى ، وإنما الذي نزل فيهم ما في سورة المائدة من قوله تعالى : { يا أيها الذين آمَنُواْ لاَ تُحَرّمُواْ طيبات مَا أَحَلَّ الله لَكُمْ } [ المائدة ، الآية 87 ] الآية ، وقرئ ( خُطْواتِ ) بسكون الطاء وهما لغتان في جمع خُطْوة وهي ما بين قدمي الخاطي ، وقرئ بضمتين وهمزة ، جعلت الضمةُ على الطاء كأنها على الواو ، وبفتحتين على أنها جمعُ خَطْوة وهي المرة من الخَطْو { إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } تعليل للنهي ، أي ظاهرُ العداوة عند ذوي البصيرة وإن كان يُظهر الولاية لمن يُغويه ، ولذلك سُمِّي ولياً في قوله تعالى : { أَوْلِيَاؤُهُمُ الطاغوت } [ سورة البقرة ، الآية 257 ] .


[83]:الحرث: يقال حرث الإبل والخيل وأحرثها أي أهزلها.
[84]:والبحائر: جمع مفردها بحيرة وهي الشاة إذا ولدت خمسة أبطن فكان آخرها ذكرا بحروا أذنها أي شقوها وتركت فلا يمسها أحد وقال الفراء البحيرة ابنة السائبة. وأما السوائب جمع مفردها السائبة وهي الناقة التي تسيب فلا ينتفع من ظهرها ولا تحلا عن ماء ولا تمنع من كلأ ولا تركب وفي الصحاح أن السائبة هي الناقة التي كانت تسيب في الجاهلية لنذر ونحوه. الوصائل جمع مفردها وصيلة وهي من الغنم الشاة التي تلد ستة أبطن فإذا كان السابع ذكرا ذبح وأكل منه الرجال والنساء وإن كانت أنثى تركت في الغنم وإن كانت أنثى وذكرا قيل وصلت أخاها فلم يذبح وكان لحمها حرما على النساء.