السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ حَلَٰلٗا طَيِّبٗا وَلَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيۡطَٰنِۚ إِنَّهُۥ لَكُمۡ عَدُوّٞ مُّبِينٌ} (168)

واختلف في سبب نزول قوله تعالى :

{ يأيها الناس كلوا مما في الأرض حلالاً } فقال البيضاويّ : نزلت في قوم حرموا على أنفسهم رفيع الأطعمة والملابس أي : لا على وجه التورّع كما تفعله الصوفية ، وما قاله قول مرجوح كما قاله شيخنا القاضي زكريا والمشهور أنها نزلت فيهم آية المائدة وهي { يا أيها الذين آمنوا لا تحرّموا طيبات ما أحلّ الله لكم } ( المائدة ، 87 ) وأمّا هذه الآية ، فإنها نزلت في الكفار الذين حرموا البحائر والسوائب والوصائل ونحوها ومن ثم عبر هنا بيا أيها الناس وثم بيا أيها الذين آمنوا .

تنبيه : حلالاً مفعول كلوا أو حال وقوله تعالى : { طيباً } إمّا صفة مؤكدة وإما طاهراً من كلّ شبهة وهو ما يستطيبه الشرع . قال «الكشاف » : ومن للتبعيض ؛ لأن كلّ ما في الأرض ليس بمأكول هذا إن جعلنا حلالاً حالاً ، فإن جعلنا مفعولاً فمن للابتداء كما قاله السعد التفتازاني ؛ لأن من التبعيضية في موضع المفعول أي : كلوا بعض ما في الأرض { ولا تتبعوا خطوات الشيطان } أي : طرقه كما قاله الزجاج أو المحقرات من الذنوب كما قاله أبو عبيدة فتدخلوا في حرام أو شبهة أو تحريم حلال أو تحليل حرام . وقرأ ابن عامر وقتيل وحفص والكسائي بضمّ الطاء والباقون بالسكون { إنه لكم عدوّ مبين } أي : بيّن العداوة أو مظهر العداوة عند ذوي البصيرة ، وإن كان يظهر الموالاة لمن يغويه ، وقد أظهر عداوته بامتناعه من السجود لآدم .