المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{۞لَّا يُحِبُّ ٱللَّهُ ٱلۡجَهۡرَ بِٱلسُّوٓءِ مِنَ ٱلۡقَوۡلِ إِلَّا مَن ظُلِمَۚ وَكَانَ ٱللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا} (148)

148- ينهي الله عباده عن قول السوء . إلا من وقع عليه ظلم ، فيباح له أن يشكو ظالمه ، ويذكر ما فيه من سوء ، والله - سبحانه - سميع لكلام المظلوم ، عليم بظلم الظالم ، ويجازيه على عمله{[45]} .


[45]:تمنع القوانين الوضعية أي إنسان أن يجاهر بفاحش القول أو سيئه يوجهه إلى آخر، والعلة في ذلك لدى تلك القوانين هي حماية أسماع الناس من أن تتأذى من مثل هذا الجهر وحماية أخلاقهم من أن تندس إليها تلك القبائح، لأن في ذلك أذى لمن وجه إليه هذا السوء، ويقول القرآن الكريم في هذا: {لا يحب الله الجهر بالسوء} ولو انتهت الآية عند لفظ السوء بأن كانت "لا يحب الله الجهر بالسوء" لشملت أيضا جريمة الفعل الفاضح العلني ومثلها أن يكشف إنسان عن عورته في مكان عام، أو أن يكشف ثياب امرأة لتظهر عورتها، لكن تحديد السوء هنا من القول امتنع معه السوء من الفعل، وهذا الفعل الفاضح العلني، وهذه الجريمة منصوص عليها في آية أخرى هي الآية التاسعة عشرة من سورة النور {إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة}، وسيجيء الكلام عن هذه الآية في مناسبة أخرى، ومما اصطلحت عليه أحدث القوانين الوضعية في جرائم كثيرة منها: السب والقذف اعتبار القاذف معذورا إذا ما تبدره غيره بالسب والقذف فاهتاج فرد سبا بسب وقذفا بقذف، وقد نصت الآية في بقية لها على عذر من الأعذار القانونية، أما الآية كاملة {لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم} وهذا الاستثناء لمن ظلم أن يجهر بالسوء مادام غير باغ ولا عاد. ولم تحدد الآية هنا بأن يكون الاعتداء، بالقول كما حدد السوء بأنه من القول، وهذا الإطلاق قد يجعل الظلم شاملا لحالي القول والفعل فيكون معذورا إذن، وغير مستحق لعقاب أو ملام ينهال عليه الغير بالضرب وهو أيضا من يعتدي على ماله، والرأي في ظاهر معنى الآية أن من اعتدى عليه ظلما وعدوانا بالفعل أو القول فاهتاج فرد الظلم بسب أو شتم فلا إثم عليه، وتجمل الإشارة هنا إلى أن الآية التالية مباشرة استدركت لما قد ينشأ من تطرف في فهم عذر الاستفزاز، فنصت على أن العفو عن السوء خير من رد السوء بسوء لكي لا تشيع الفاحشة بين الناس فقالت: {إن تبدوا خيرا أو تخفوه أو تعفوا عن سوء فإن الله كان عفوا قديرا}.
 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{۞لَّا يُحِبُّ ٱللَّهُ ٱلۡجَهۡرَ بِٱلسُّوٓءِ مِنَ ٱلۡقَوۡلِ إِلَّا مَن ظُلِمَۚ وَكَانَ ٱللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا} (148)

{ لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا * إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا }

يخبر تعالى أنه لا يحب الجهر بالسوء من القول ، أي : يبغض ذلك ويمقته ويعاقب عليه ، ويشمل ذلك جميع الأقوال السيئة التي تسوء وتحزن ، كالشتم والقذف والسب ونحو ذلك فإن ذلك كله من المنهي عنه الذي يبغضه الله . ويدل مفهومها أنه يحب الحسن من القول كالذكر والكلام الطيب اللين .

وقوله : { إِلَّا مَن ظُلِمَ } أي : فإنه يجوز له أن يدعو على من ظلمه ويتشكى{[250]}  منه ، ويجهر بالسوء لمن جهر له به ، من غير أن يكذب عليه ولا يزيد على مظلمته ، ولا يتعدى بشتمه غير ظالمه ، ومع ذلك فعفوه وعدم مقابلته أولى ، كما قال تعالى : { فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ }

{ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا } ولما كانت الآية قد اشتملت على الكلام السيئ والحسن والمباح ، أخبر تعالى أنه { سميع } فيسمع أقوالكم ، فاحذروا أن تتكلموا بما يغضب ربكم فيعاقبكم على ذلك . وفيه أيضا ترغيب على القول الحسن . { عَلِيمٌ } بنياتكم ومصدر أقوالكم .


[250]:- في ب: ويشتكي.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{۞لَّا يُحِبُّ ٱللَّهُ ٱلۡجَهۡرَ بِٱلسُّوٓءِ مِنَ ٱلۡقَوۡلِ إِلَّا مَن ظُلِمَۚ وَكَانَ ٱللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا} (148)

{ لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم } إلا جهر من ظلم بالدعاء على الظالم والتظلم منه . وروي أن رجلا ضاف قوما فلم يطعموه فاشتكاهم فعوتب عليه . فنزلت وقرئ من ظلم على البناء للفاعل فيكون الاستثناء منقطعا أي ولكن الظالم يفعل ما لا يحبه الله . { وكان الله سميعا } لكلام المظلوم . { عليما } بالظالم .