معاني القرآن للفراء - الفراء  
{۞لَّا يُحِبُّ ٱللَّهُ ٱلۡجَهۡرَ بِٱلسُّوٓءِ مِنَ ٱلۡقَوۡلِ إِلَّا مَن ظُلِمَۚ وَكَانَ ٱللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا} (148)

وقوله : { لاَّ يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ . . . }

وظَلَمَ . وقد يكون ( مَنْ ) في الوجهين نصبا على الاستثناء على الانقطاع من الأوّل . وإن شئت جعت ( من ) رفعا إذا قلت ( ظُلم ) فيكون المعنى : لا يحبُّ الله أن يجهر بالسوء من القول إلا المظلوم . وهو الضيف إذا أراد النزول على رجل فمنعه فقد ظلمه ، ورخّص له أن يذكره بما فعل ؛ لأنه منعه حقَّه . ويكون { لاَّ يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ } كلاما تاما ، ثم يقول : إلا الظالم فدعوه ، فيكون مثل قول الله تبارك وتعالى { لئلاّ يكونَ لِلناسِ عليكم حُجّة إِلا الِذين ظَلَموا } فإن الظالم لا حجَّة له ، وكأنه قال إلا مَنْ ظلم فَخلُّوه . وهو مثل قوله { فذكِّر إنما أنت مُذَكِّر } ثم استثنى فقال { إِلا مَنْ تَوَلَّى وكفر } فالاستثناء من قوله { إنما أنت مُذَكّر } وليست فيه أسماء . وليس الاستثناء من قوله { لَسْتَ عَلَيْهم بمصيطر } ومثله مّما يجوز أن يستثنى ( الأسماء ليس قبلها ) شيء ظاهر قولك : إني لأكره الخصومة والمِرَاء ، اللهم إلاَّ رجلا يريد بذلك الله . فجاز استثناء الرجل ولم يذكر قبله شيء من الأسماء ؛ لأن الخصومة والمِرَاء لا يكونان إلا بين الآدمييّن .