الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{۞لَّا يُحِبُّ ٱللَّهُ ٱلۡجَهۡرَ بِٱلسُّوٓءِ مِنَ ٱلۡقَوۡلِ إِلَّا مَن ظُلِمَۚ وَكَانَ ٱللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا} (148)

قوله : ( لاَ يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ . . . ) الآية [ 148 ] .

قرأ زيد بن أسلم ، والضحاك وابن أبي إسحاق( {[13907]} ) ( إِلاَّ مَن ظُلِمَ ) بفتح الظاء( {[13908]} ) .

ومعنى الآية : لا يحب الله أن يجهر أحد بالدعاء [ على أحد ]( {[13909]} ) إلا من ظُلم فيدعو على ظالمه . أي : لكن من ظُلم فله أن يدعو على ظالمه ، ولا يكره الله ذلك .

قال ابن عباس : أُرخص للمظلوم أن يدعو على ظالمه ، وإن صبر فهو خير له .

قال قتادة : عذر الله سبحانه المظلوم .

وقال الحسن : هو الرجل يُظلم يظلم الرجل فلا يدع عليه ، ولكن ليقل : اللهم أعني عليه ، اللهم استخرج لي حقي ، ونحو ذلك( {[13910]} ) .

و " من " في موضع رفع بالهجر ، كأنه : لا يحب الله أن يجهر بالسوء إلا المظلوم( {[13911]} ) وإن شئت في موضع( {[13912]} ) نصب كما قال تعالى : ( لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ . اِلاَّ مَن تَوَلَّى وَكَفَرَ )( {[13913]} ) . وكقولهم : إني لا أكره الخصومة ، والمراء إلا( {[13914]} ) رجلاً يريد الله بذلك ، فهذا محمول على المعنى وأن لم يكن قبله أسماء( {[13915]} ) .

وأصل الاستثناء المنقطع أن يكون منصوباً ، وهذا من ذلك( {[13916]} ) .

وقال مجاهد في الآية : هو الرجل لا تحسن ضيافته ، فيخرج فيقول أساء ضيافتي ، رخص له أن يقول ذلك .

وقال السدي : إن الله لا يحب الجهر بالسوء من أحد ولكن من ظلم فانتصر بمثل ما ظلم فليس عليه جناح( {[13917]} ) .

ومن قرأ بفتح( {[13918]} ) الظاء ، فمعناه إلا من ظلم فلا بأس أن يُجْهَر له بالقول .

قيل : إن هذه الآية نزلت في الرجل ينزل بالرجل وعند المنزول به سعة ، يضيفه ، فإن تناوله بلسانه في تأخره عن ضيافته فقد عذه الله عز وجل ، وسمى الله سبحانه ترك الضيافة ظلماً( {[13919]} ) .

وقال ابن زيد معنى الفتح : لا يحب الله أن يقول( {[13920]} ) لمن تاب عن النفاق : ألست نافقت ؟ ألست الذي ظلمت وفعلت( {[13921]} ) ؟ ( إِلاَّ مَن ظُلِمَ ) أي : إلا من أقام على النفاق ، فإنه يقال له ذلك( {[13922]} ) ، ودل على هذا قوله تعالى ( اِلاَّ الذِينَ تَابُوا )( {[13923]} ) .

وقيل : المعنى ( إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ ) فقال سوءاً ، فإنه ينبغي أن يأخذوا على يديه( {[13924]} ) .

وقال قطرب : ( إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ ) أي : إلا المكره لأنه مظلوم( {[13925]} ) .

( وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعاً ) أي : لما تجهرون به ( عَلِيماً ) أي بما تسرون وبغير ذلك .


[13907]:- هو عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي الزيادي النحوي البصري توفي: 117 هـ وقيل: 129 هـ وهو جد يعقوب الحضرمي أحد القراء العشرة، أخذ عنه أبو عمرو بن العلاء والأخفش. انظر: طبقات الزبيدي: 31 وإنباه الرواة 2/104. وغاية النهاية 1/410.
[13908]:- هي قراءة شاذة تنسب إلى الضحاك في مختصر الشواذ: 30 كما تنسب إلى زيد ابن أسلم وابن عباس، وابن جبير وعطاء، ومسلم بن يسار في المحتسب 1/230، وإليهم، وإلى ابن عمرو والحسن وابن المسيب وقتادة وأبي رجاء في البحر 3/382.
[13909]:- ساقط من (أ).
[13910]:- انظر: جامع البيان 6/1.
[13911]:- انظر: هذا التوجيه في إعراب النحاس 1/465.
[13912]:- صح أن تكون في موضع نصب لأن الاستثناء منقطع. انظر: معاني الفراء 1/293.
[13913]:- الغاشية آية 22.
[13914]:- (د): المرار.
[13915]:- انظر: هذا التوجيه في معاني الفراء 1/294..
[13916]:- انظر: إعراب النحاس 1/465، ومشكل الإعراب 1/211.
[13917]:- انظر: تفسير مجاهد 1/179.
[13918]:- انظر: جامع البيان 6/3.
[13919]:- وقد سبق نقل ذلك عن السدي [المدقق].
[13920]:- قراءة الجمهور إلا من ظلم، والفتح قراءة شاذة وقد تقدم الكلام عنها.
[13921]:- انظر: أسباب النزول: 106 ولباب النقول: 85.
[13922]:- (د): يقال.
[13923]:- انظر: جامع البيان 6/3.
[13924]:- انظر: هذا التوجيه في معاني الزجاج 2/126.
[13925]:- (أ): مظلم (د): معلوم.