غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{۞لَّا يُحِبُّ ٱللَّهُ ٱلۡجَهۡرَ بِٱلسُّوٓءِ مِنَ ٱلۡقَوۡلِ إِلَّا مَن ظُلِمَۚ وَكَانَ ٱللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا} (148)

142

ثم إنه سبحانه لما هتك ستر المنافقين وفضحهم وكان هتك الستر منافياً للكرم والرحمة ظاهراً ذكر ما يجري مجرى العذر من ذلك فقال : { لا يحب الله الجهر } الآية يعني أنه لا يحب إظهار الفضائح إلا في حق من ظلم وهم المسلمون الذين عظم ضرر المنافقين وكيدهم فيهم .

وأيضاً إن المنافقين إذا تاب وأصلح لم يكد يسلم من تعيير المسلمين إياه على ما صدر عنه في الماضي فبيّن تعالى أن تعييرهم بعد التوبة أمر مذموم وأنه تعالى لا يرضى به إلا من ظلم نفسه وعاد إلى نفاقه . قالت المعتزلة : في الآية دلالة على أنه تعالى لا يريد من عباده فعل القبائح لأن محبة الله تعالى عبارة عن إرادته . وقالت الأشاعرة : المحبة عبارة عن إيصال الثواب على الفعل وحينئذ يصح أن يقال : إنه أراده وما أحبه . قال أهل العلم : إنه لا يحب الجهر بالسوء ولا غير الجهر ، ولكنه ذكر هذا الوصف لأن كيفية الواقعة أوجبت ذلك كقوله :{ إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا }[ النساء :94 ] والتبين واجب في الطعن والإقامة . أما قوله : { إلاّ من ظلم } فالاستثناء فيه متصل أو منقطع . وعلى الأول قال أبو عبيدة : تقديره إلاّ جهر من ظلم فحذف المضاف . وقال الزجاج : الجهر بمعنى المجاهر أي لا يحب الله المجاهر بالسوء إلاّ من ظلم . وعلى الثاني المعنى لكن المظلوم له أن يجهر بظلامته . وماذا يفعل المظلوم ؟ قال ابن عباس : له أن يرفع صوته بالدعاء على من ظلمه . وقال مجاهد : له أن يخبر بظلم ظالمه له . وقال الأصم : لا يجوز إظهار الأحوال المستورة المكنونة حذراً من الغيبة والريبة لكن له إظهار ظلمه بأن يذكر أنه سرق أو غصب . وقال الحسن : له أن ينتصر من ظالمه . وعن مجاهد أن ضيفاً تضيف قوماً فأساؤا قراه فاشتكاهم فنزلت الآية رخصة في أن يشكو . وقرأ الضحاك وزيد بن أسلم وسعيد بن جبير { إلاّ من ظلم } على البناء للفاعل . وقيل : إنه كلام منقطع عما قبله أي لكن من ظلم فدعوه وخلوه . وقال الفراء والزجاج : معناه لكن من ظلم فإنه يجهر له بالسوء من القول { وكان الله سميعاً عليماً } فليتق الله ولا يقل إلا الحق ولا يقذف مستوراً .

/خ152