المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ بِبَدۡرٖ وَأَنتُمۡ أَذِلَّةٞۖ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (123)

123- ذكَّر الله المؤمنين بنعمة النصر في غزوة بدر{[34]} حين صبروا ، فأكد لهم أنه نصرهم فيها وهم قليلو العدد والعدة ، وطلب منهم طاعته لشكر هذه النعمة .


[34]:بدر على مسيرة نحو 120 ميلا من الجنوب الغربي للمدينة، وكان اللقاء فيها بين المسلمين وقريش في يوم الثلاثاء الموافق 17 من رمضان من السنة الثانية للهجرة (13 من مارس سنة 624 نمن الميلاد المسيحي) وكان خروج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في أصحابه من المدينة لثمان خلون من شهر رمضان من السنة الثانية للهجرة (5 من مارس سنة 624 للميلاد المسيحي وكان عدد المقاتلين من المسلمين في هذه الغزوة ثلاثمائة رجل أو يزيدون قليلا. وعدد المشركين ثلاثة أمثالهم، وقد أنجز الله في هذه الغزوة وعده وكان النصر ما لا تفعله القوة المادية. وكان النصر المبين في هذه الغزوة سببا في أن صارت كلمة الإيمان هي العليا إذ كانت مقدمة لانتصارات بعدها وامتد ظل الإسلام إلى الجزيرة العربية كلها، ثم لما وراءها بعدها.
 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ بِبَدۡرٖ وَأَنتُمۡ أَذِلَّةٞۖ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (123)

وهذا امتنان منه على عباده المؤمنين ، وتذكير لهم بما نصرهم به يوم بدر وهم أذلة في قلة عَددهم وعُددهم مع كثرة عدد عدوهم وعُددهم ، وكانت وقعة بدر في السنة الثانية من الهجرة ، خرج النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة بثلاث مئة وبضعة عشر من أصحابه ، ولم يكن معهم إلا سبعون بعيرا وفرسان لطلب عير لقريش قدمت من الشام ، فسمع به المشركون فتجهزوا من مكة لفكاك عيرهم ، وخرجوا في زهاء ألف مقاتل مع العدة الكاملة والسلاح العام والخيل الكثيرة ، فالتقوا همم والمسلمون في ماء يقال له " بدر " بين مكة والمدينة فاقتتلوا ، ونصر الله المسلمين نصرا عظيما ، فقتلوا من المشركين سبعين قتيلا من صناديد المشركين وشجعانهم ، وأسروا سبعين ، واحتووا على معسكرهم ستأتي - إن شاء الله - القصة في سورة الأنفال ، فإن ذلك موضعها ، ولكن الله تعالى هنا أتى بها ليتذكر بها المؤمنون ليتقوا ربهم ويشكروه ، فلهذا قال { فاتقوا الله لعلكم تشكرون } لأن من اتقى ربه فقد شكره ، ومن ترك التقوى فلم يشكره ،

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ بِبَدۡرٖ وَأَنتُمۡ أَذِلَّةٞۖ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (123)

وقوله : { وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } أي : يوم بدر ، وكان في جمعة{[5627]} وافق السابع عشر من رمضان ، من سنة اثنتين{[5628]} من الهجرة ، وهو يوم الفرقان الذي أعز الله فيه الإسلام وأهله ، ودمغَ فيه الشرك وخرَّب محِله ، [ هذا ]{[5629]} مع قلة عدد المسلمين يومئذ ، فإنهم كانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا فيهم فرسان وسبعُون بعِيرا ، والباقون مُشاة ، ليس معهم من العَدَد جميع ما يحتاجون إليه ، وكان العدو يومئذ ما بين التسعمائة إلى الألف في سوابغ الحديد والبَيض ، والعدة{[5630]} الكاملة والخيول المسومة والحلي{[5631]} الزائد ، فأعز الله رسوله ، وأظهر وحيه وتنزيله ، وبَيَّضَ وَجْه النبي وقبيله ، وأخْزى الشيطان{[5632]} وجيله ولهذا قال تعالى - مُمْتَنا على عباده المؤمنين وحِزبه المتقين : { وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ } أي : قليل عددكم ليعلموا{[5633]} أن النصر إنما هو من عند الله ، لا بكثرة العَدَد والعُدَد ؛ ولهذا قال في الآية الأخرى : { وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا [ وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ . ثُمَّ أَنزلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ . ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ ]{[5634]} وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [ التوبة : 25 - 27 ] .

وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جَعْفَر ، حدثنا شُعْبَة ، عن سِمَاك قال : سمعت عِياضا الأشعري قال : شهدتُ الْيَرْمُوك وعلينا خمسة أمراء : أبو عبيدة ، ويزيد بن أبي سفيان ، وابن حَسَنَة ، وخالد بن الوليد ، وعياض - وليس عياض هذا{[5635]} الذي حدث سماكا - قال : وقال عمر ، رضي الله عنه : إذا كان قتال فعليكم أبو عبيدة . قال : فكتبنا إليه{[5636]} إنه قد جاش إلينا الموت ، واستمددناه ، فكتب إلينا : إنه قد جاءني كتابكم تَسْتَمِدُّونَنِي{[5637]} وإني أدلكم على من هو أعز نصرًا ، وأحصن جندًا : الله عز وجل ، فاستنصروه ، فإن محمدًا صلى الله عليه وسلم قد نُصر يومَ بدر في أقل من عدتكم ، فإذا جاءكم كتابي فقاتلوهم ولا تراجعوني . قال{[5638]} فقاتلناهم فهزمناهم أربعة{[5639]} فراسخ ، قال : وأصبنا أموالا فتشاورنا ، فأشار علينا عياض أنْ نُعْطِيَ عن كل ذي رأس عشرة . قال : وقال أبو عبيدة : من يراهنني ؟ فقال شاب : أنا ، إن لم تَغْضَبْ . قال : فسبقه ، فرأيت عَقِيصَتَيْ أبي عُبَيدة تَنْقزان وهو خَلْفه على فرس عُرْي{[5640]} .

وهذا إسناد صحيح{[5641]} وقد أخرجه ابن حِبّان في صحيحه من حديث بُنْدَار ، عن غُنْدَر ، بنحوه ، واختاره الحافظ الضياء المقدسي في كتابه .

وبَدْر مَحَلَّة بين مكة والمدينة ، تُعرف ببئرها ، منسوبة إلى رجل حفرها يقال له : " بدر بن النارين " . قال الشعبي : بدر بئر لرجل يسمى بدرًا .

وقوله : { فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } أي : تقومون بطاعته .


[5627]:في أ، و: "في يوم جمعة".
[5628]:في جـ: "اثنين".
[5629]:زيادة من أ، و.
[5630]:في أ: "والعدد".
[5631]:في جـ، ر: "الخيلاء".
[5632]:في أ، و: "وأحزن الشيطان وخيله".
[5633]:في، و: "لتعلموا".
[5634]:زيادة من جـ، ر، أ، و، وفي الأصل: "إلى".
[5635]:في جـ: "هذا هو الذي".
[5636]:في أ: "له".
[5637]:في ر: "تستمدوني"
[5638]:في أ: "قالت".
[5639]:في جـ، ر: "أربع".
[5640]:في أ، و: "عربي".
[5641]:المسند (1/49) وصحيح ابن حبان (7/131) "الإحسان". وقال الهيثمي في المجمع (6/213): "رجاله رجال الصحيح".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ بِبَدۡرٖ وَأَنتُمۡ أَذِلَّةٞۖ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (123)

{ ولقد نصركم الله ببدر } تذكير ببعض ما أفادهم التوكل . وبدر ماء بين مكة والمدينة كان لرجل يسمى بدرا فسمي به . { وأنتم أذلة } حال من الضمير ، وإنما قال أذلة ولم يقل ذلائل تنبيها على قلتهم مع ذلتهم لضعف الحال وقلة المراكب والسلاح . { فاتقوا الله } في الثبات { لعلكم تشكرون } بتقواكم ما أنعم به عليكم من نصره ، أو لعلكم بنعم الله عليكم فتشكرون فوضع الشكر موضع الأنعام لأنه سببه .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ بِبَدۡرٖ وَأَنتُمۡ أَذِلَّةٞۖ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (123)

إذ قد كانت وقعة أحُد لم تنكشف عن نصر المسلمين ، عَقَّب الله ذكرها بأن ذكَّرهم الله تعالى نَصره إيّاهم النصر الَّذي قدّره لهم يوم بدر ، وهو نصر عظيم إذ كان نصرَ فئة قليلةٍ على جيش كثير ، ذي عُدد وافرة ، وكان قتلى المشركين يومئذ سادةَ قريش ، وأيمّة الشرك ، وحسبك بأبي جهل بن هشام ، ولذلك قال تعالى : { وأنتم أذلة } أي ضعفاء . والذلّ ضد العزّ فهو الوهن والضعف . وهذا تعريض بأنّ انهزام يوم أحُد لا يفلّ حدّة المسلمين لأنّهم صاروا أعزّة . والحرب سجال .

وقوله : { فاتقوا الله لعلكم تشكرون } اعتراض بين جملة { ولقد نصركم الله ببدر } ومتعلّق فعلها أعني { إذ تقول للمؤمنين } . والفاء للتفريع والفاء تقع في الجملة المعترضة على الأصحّ ، خلافاً لمن منع ذلك من النحويين . . فإنَّه لمّا ذكّرهم بتلك المنّة العظيمة ذكّرهم بأنَّها سبب للشكر فأمرهم بالشكر بملازمة التَّقوى تأدّباً بنسبة قوله تعالى : { لئن شكرتم لأزيدنكم } [ إبراهيم : 70 ] .

ومن الشكر على ذلك النَّصر أن يثبتوا في قتال العدو ، وامتثالُ أمر النَّبيء صلى الله عليه وسلم وأن لا تَفُلّ حدّتَهم هزيمة يوم أحُد .