{ 80 - 84 } { وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ } إلى آخر القصة{[317]} .
أي : { و ْ } اذكر عبدنا { لُوطًا ْ } عليه الصلاة والسلام ، إذ أرسلناه إلى قومه يأمرهم بعبادة اللّه وحده ، وينهاهم عن الفاحشة التي ما سبقهم بها أحد من العالمين ، فقال : { أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ ْ } أي : الخصلة التي بلغت - في العظم والشناعة - إلى أن استغرقت أنواع الفحش ، { مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ ْ } فكونها فاحشة من أشنع الأشياء ، وكونهم ابتدعوها وابتكروها ، وسنوها لمن بعدهم ، من أشنع ما يكون أيضا .
يقول تعالى : { وَ } قَدْ أَرْسَلْنَا { لُوطًا } أو تقديره : { وَ } اذكر { لُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ }
ولوط هو ابن هاران بن آزر ، وهو ابن أخي إبراهيم الخليل ، عليهما{[11947]} السلام ، وكان قد آمن مع إبراهيم ، عليه السلام ، وهاجر معه إلى أرض الشام ، فبعثه الله [ تعالى ]{[11948]} إلى أهل " سَدُوم " وما حولها من القرى ، يدعوهم إلى الله ، عز وجل ، ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عما كانوا يرتكبونه من المآثم والمحارم والفواحش التي اخترعوها ، لم يسبقهم بها أحد من بني آدم ولا غيرهم ، وهو إتيان الذكور . وهذا شيء لم يكن بنو آدم تعهده ولا تألفه ، ولا يخطر ببالهم ، حتى صنع ذلك أهل " سَدُوم " عليهم لعائن الله .
قال عمرو بن دينار : قوله : { مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ } قال : ما نزا ذَكَر على ذَكَر ، حتى كان قوم لوط .
وقال الوليد بن عبد الملك الخليفة الأموي ، باني جامع دمشق : لولا أن الله ، عز وجل ، قص علينا خبر لوط ، ما ظننت أن ذكرًا يعلو ذكرًا .
ولهذا قال لهم لوط ، عليه السلام : { أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ } أي : عدلتم{[11949]} عن النساء ، وما خلق لكم ربكم منهن إلى الرجال ، وهذا إسراف منكم وجهل ؛ لأنه وضع الشيء في غير محله ؛ ولهذا قال لهم في الآية الأخرى : { [ قَالَ ]{[11950]} هَؤُلاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ } [ الحجر : 71 ] فأرشدهم إلى نسائهم ، فاعتذروا إليه بأنهم لا يشتهونهن ، { قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ } [ هود : 79 ] أي : لقد علمت أنه لا أرَبَ لنا في النساء ، ولا إرادة ، وإنك لتعلم مرادنا من أضيافك .
وذكر المفسرون أن الرجال كانوا قد استغنى{[11951]} بعضهم ببعض ، وكذلك نساؤهم كن قد استغنى{[11952]} بعضهن ببعض أيضًا .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مّن الْعَالَمِينَ } .
يقول تعالى ذكره : ولقد أرسلنا لوطا . ولو قيل : معناه : واذكر لوطا يا محمد إذ قال لقومه إذ لم يكون في الكلام صلة الرسالة كما كان في ذكر عاد وثمود كان مذهبا .
وقوله : إذْ قالَ لِقَوْمِه يقول : حين قال لقومه من سدوم ، وإليهم كان أرسل لوط : أتَأْتُونَ الفاحِشَةَ ، وكانت فاحشتهم التي كانوا يأتونها التي عاقبهم الله عليها : إتيان الذكور . ما سَبَقَكُمْ بها مِنْ أحَد مِنَ العالَمِينَ يقول : ما سبقكم بفعل هذه الفاحشة أحد من العالمين . وذلك كالذي :
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا إسماعيل بن علية ، عن ابن أبي نجيح ، عن عمرو بن دينار ، قوله : ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أحَدٍ مِنَ العالَمِينَ قال : ما رؤي ذكر على ذكر حتى كان قوم لوط .
{ ولوطا } أي وأرسلنا لوطا . { إذ قال لقومه } وقت قوله لهم أو واذكر لوطا وإذ بدل منه . { أتأتون الفاحشة } توبيخ وتقريع على تلك الفعلة المتمادية في القبح . { ما سبقكم بها من أحد من العالمين } ما فعلها قبلكم أحد قط . والباء للتعدية ومن الأولى لتأكيد النفي والاستغراق ، والثانية للتبعيض . والجملة استئناف مقرر للإنكار كأنه وبخهم أولا بإتيان الفاحشة ثم باختراعها فإنه أسوأ .
«لوط » عليه السلام بعثه الله إلى أمة تسمى سدوم وروي أنه ابن أخي إبراهيم عليه السلام ، ونصبه إما { أرسلنا } المتقدم في الأنبياء وإما بفعل مضمر تقديره واذكر { لوطَا } واستفهامه لهم هو على جهة التوقيف والتوبيخ والتشنيع ، و { الفاحشة } هنا إتيان الرجال في الأدبار ، وروي أنه لم تكن هذه المعصية في أمم قبلهم .
قال القاضي أبو محمد : وإن كان لفظ الآية يقتضي هذا فقد كانت الآية تحتمل أن يراد بها ما سبقكم أحد إلى لزومها وتشهيرها وروي أنهم إن كانوا يأتي بعضهم بعضاً ، وروي أنهم إنما كانوا «يأتون » الغرباء قاله الحسن البصري ، قال عمرو بن دينار ما زنا ذكر على ذكر قبل قوم «لوط » ، وحكى النقاش : أن إبليس كان أصل عملهم بأن دعاهم إلى نفسه ، وقال بعض العلماء عامل اللواط كالزاني ، وقال مالك رحمه الله وغيره : يرجم أحصن أو لم يحصن ، وحرق أبو بكر الصديق رضي الله عنه رجلاً يسمى الفجأة حين عمل عمل قوم «لوط » .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.