{ 12 - 13 } { هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ * وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ }
يقول تعالى : { هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا } أي : يخاف منه الصواعق والهدم وأنواع الضرر ، على بعض الثمار ونحوها ويطمع في خيره ونفعه ،
{ وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ } بالمطر الغزير الذي به نفع العباد والبلاد .
ثم يأخذ السياق في جولة جديدة في واد آخر ، موصول بذلك الوادي الذي كنا فيه . واد تجتمع فيه مناظر الطبيعة ومشاعر النفس ، متداخلة متناسقة في الصورة والظل والإيقاع . وتخيم عليه الرهبة والضراعة والجهد والإشفاق . وتظل النفس فيه في ترقب وحذر ، وفي تأثر وانفعال :
( هو الذي يريكم البرق . خوفا وطمعا . وينشيء السحاب الثقال . ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته . ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء ، وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال . له دعوة الحق ، والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه ، وما هو ببالغه ، وما دعاء الكافرين إلا في ضلال . ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها ، وظلالهم ، بالغدو والآصال . قل : من رب السماوات والأرض ? قل : الله . قل : أفاتخذتم من دونه أولياء لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا ? قل : هل يستوي الأعمى والبصير . أم هل تستوي الظلمات والنور ? أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم ? قل : الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار ) . .
والبرق والرعد والسحاب مشاهد معروفة ، وكذلك الصواعق التي تصاحبها في بعض الأحيان . وهي بذاتها مشاهد ذات أثر في النفس - سواء عند الذين يعرفون الكثير عن طبيعتها والذين لا يعرفون عن الله شيئا ! والسياق يحشدها هنا ؛ ويضيف إليها الملائكة والظلال والتسبيح والسجود والخوف والطمع ، والدعاء الحق والدعاء الذي لا يستجاب . ويضم إليها هيئة أخرى : هيئة ملهوف يتطلب الماء ، باسطا كفيه ليبلغه ، فاتحا فاه يتلقف منه قطرة . .
هذه كلها لا تتجمع في النص اتفاقا أو جزافا . إنما تتجمع لتلقي كلها ظلالها على المشهد ، وتلفه في جو من الرهبة والترقب ، والخوف والطمع ، والضراعة والارتجاف ، في سياق تصوير سلطان الله المتفرد بالقهر والنفع والضر ، نفيا للشركاء المدعاة ، وإرهابا من عقبى الشرك بالله
( هو الذي يريكم البرق . خوفا وطمعا ) . .
هو الله الذي يريكم هذه الظاهرة الكونية ، فهي ناشئة من طبيعة الكون التي خلقها هو على هذا النحو الخاص ، وجعل لها خصائصها وظواهرها . ومنها البرق الذي يريكم إياه وفق ناموسه ، فتخافونه لأنه بذاته يهز الأعصاب ، ولأنه قد يتحول إلى صاعقة ، ولأنه قد يكون نذيرا بسيل مدمر كما علمتكم تجاربكم . وتطمعون في الخير من ورائه ، فقد يعقبه المطر المدرار المحيي للموات ، المجري للأنهار .
وهو كذلك الذي ينشيء السحاب - والسحاب اسم جنس واحدته سحابة - الثقال بالماء . فوفق ناموسه في خلقه هذا الكون وتركيبه تتكون السحب ، وتهطل الأمطار . ولو لم يجعل خلفة الكون على هذا النحو ما تكونت سحب ولا هطلت أمطار . ومعرفة كيف تتكون السحب ، وكيفية هطول الأمطار لا تفقد هذه الظاهرة الكونية شيئا من روعتها ، ولا شيئا من دلالتها . فهي تتكون وفق تركيب كوني خاص لم يصنعه أحد إلا الله . ووفق ناموس معين يحكم هذا التركيب لم يشترك في سنه أحد من عبيد الله ! كما أن هذا الكون لم يخلق نفسه ، ولا هو الذي ركب في ذاته ناموسه !
{ هو الذي يريكم البرق خوفا } من أذاه . { وطمعا } في الغيث وانتصابهما على العلة بتقدير المضاف ، أي إرادة خوف وطمع أو التأويل بالإخافة والإطماع ، أو الحال من { البرق } أو المخاطبين على إضمار ذو ، أو إطلاق المصدر بمعنى المفعول أو الفاعل للمبالغة . وقيل يخاف المطر من يضره ويطمع فيه من ينفعه . { وينشئ السّحاب } الغيم المنسحب في الهواء . { الثّقال } وهو جمع ثقيلة وإنما وصف به السحاب لأنه اسم جنس في معنى الجمع .
استئناف ابتدائي على أسلوب تعداد الحجج الواحدة تلوى الأخرى ، فلأجل أسلوب التعداد إذ كان كالتكرير لم يعطف على جملة { سواء منكم من أسر القول } [ الرعد : 10 ] .
وقد أعرب هذا عن مظهر من مظاهر قدرة الله وعجيب صنعه . وفيه من المناسبة للإنذار بقوله : { إن الله لا يغير ما بقوم } [ سورة الرعد : 11 ] الخ أنه مثال لتصرف الله بالإنعام والانتقام في تصرف واحد مع تذكيرهم بالنعمة التي هم فيها . وكل ذلك مناسب لمقاصد الآيات الماضية في قوله : { الله يعلم ما تحمل كل أنثى } [ سورة الرعد : 8 ] وقوله : وكل شيء عنده بمقدار [ سورة الرعد : 8 ] ، فكانت هذه الجملة جديرة بالاستقلال وأن يجاء بها مستأنفة لتكون مستقلة في عداد الجمل المستقلة الواردة في غرض السورة .
وجاء هنا بطريق الخطاب على أسلوب قوله : { سواء منكم من أسر القول } [ سورة الرعد : 10 ] لأن الخوف والطمع يصدران من المؤمنين ويهدد بهما الكفرة .
وافتتحت الجملة بضمير الجلالة دون اسم الجلالة المفتتح به في الجمل السابقة ، فجاءت على أسلوب مختلف . وأحسب أن ذلك مراعاة لكون هاته الجملة مفرعة عن أغراض الجمل السابقة فإن جُمل فواتح الأغراض افتتحت بالاسم العلم كقوله : { الله الذي رفع السماوات بغير عَمد } [ سورة الرعد : 2 ] وقوله : { الله يعلم ما تحمل كل أنثى } [ سورة الرعد : 8 ] وقوله : { إن الله لا يغير ما بقوم } [ سورة الرعد : 11 ] ، وجمل التفاريع افتتحت بالضمائر كقوله : { يدبر الأمر } [ سورة الرعد : 4 ] وقوله : { وهو الذي مد الأرض } [ سورة الرعد : 3 ] وقوله : جعل فيها زوجين .
و{ خوفاً وطمعاً } مصدران بمعنى التخويف والإطماع ، فهما في محل المفعول لأجله لظهور المراد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.