17- وقال لهم : أنتم لا تعبدون من دون الله إلا تماثيل وأصناماً تصنعونها بأيديكم ، وتختلقون الكذب فتسمونها آلهة . وأن هذه الأوثان التي تعبدونها من دون الله لا تنفع ولا تضر ولا تستطيع لكم رزقاً ، فالتمسوا الرزق من الله - وحده - وخُصُّوه بالعبادة والشكر له على أنعمه ، فإليه مصيركم أجمعين فيجازيكم على أعمالكم .
فلما أمرهم بعبادة الله وتقواه ، نهاهم عن عبادة الأصنام ، وبيَّن لهم نقصها وعدم استحقاقها للعبودية ، فقال : { إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا } تنحتونها وتخلقونها بأيديكم ، وتخلقون لها أسماء الآلهة ، وتختلقون الكذب بالأمر بعبادتها والتمسك بذلك ، { إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ } في نقصه ، وأنه ليس فيه ما يدعو إلى عبادته ، { لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا } فكأنه قيل : قد بان لنا أن هذه الأوثان مخلوقة ناقصة ، لا تملك نفعا ولا ضرا ، ولا موتا ولا حياة ولا نشورا ، وأن من هذا وصفه ، لا يستحق أدنى أدنى أدنى مثقال مثقال مثقال ذرة من العبادة والتأله ، والقلوب لا بد أن تطلب معبودا تألهه وتسأله حوائجها ، فقال -حاثا لهم على من يستحق العبادة- { فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ } فإنه هو الميسر له ، المقدر ، المجيب لدعوة من دعاه في أمر دينه ودنياه{[623]} { وَاعْبُدُوهُ } وحده لا شريك له ، لكونه الكامل النافع الضار ، المتفرد بالتدبير ، { وَاشْكُرُوا لَهُ } وحده ، لكون جميع ما وصل ويصل إلى الخلق من النعم فمنه ، وجميع ما اندفع ويندفع من النقم عنهم فهو الدافع لها . { إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } يجازيكم على ما عملتم ، وينبئكم بما أسررتم وأعلنتم ، فاحذروا القدوم عليه وأنتم على شرككم ، وارغبوا فيما يقربكم إليه ، ويثيبكم -عند القدوم- عليه .
وفي الخطوة الثالثة بين لهم فساد ما هم عليه من العقيدة من عدة وجوه : أولها أنهم يعبدون من دون الله أوثانا - والوثن : التمثال من الخشب - وهي عبادة سخيفة ، وبخاصة إذا كانوا يعدلون بها عن عبادة الله . . وثانيها : أنهم بهذه العبادة لا يستندون إلى برهان أودليل ، وإنما يخلقون إفكا وينشئون باطلا ، يخلقونه خلقا بلا سابقة أو مقدمة ، وينشئونه إنشاء من عند أنفسهم بلا أصل ولا قاعدة . . وثالثها : أن هذه الأوثان لا تقدم لهم نفعا ، ولا ترزقهم شيئا :
( إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا ) . .
وفي الخطوة الرابعة يوجههم إلى الله ليطلبوا منه الرزق . الأمر الذي يهمهم ويمس حاجتهم :
( فابتغوا عند الله الرزق ) . .
والرزق مشغلة النفوس ، وبخاصة تلك التي لم يستغرقها الإيمان . و لكن ابتغاء الرزق من الله وحده حقيقة لا مجرد استثارة للميول الكامنة في النفوس .
وفي النهاية يهتف بهم إلى واهب الأرزاق المتفضل بالنعم ، ليعبدوه ويشكروه :
وأخيرا يكشف لهم أنه لا مفر من الله ، فمن الخير أن يثوبوا إليه مؤمنين عابدين شاكرين :
{ إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا } وتكذبون كذبا في تسميتها آلهة وادعاء شفاعتها عند الله تعالى ، أو تعملونها وتنحتونها للإفك وهو استدلال على شرارة ما هم عليه من حيث إنه زور وباطل ، وقرئ " تخلقون " من خلق للتكثير " وتخلقون " من تخلق للتكلف ، و{ إفكا } على أنه مصدر كالكذب أو نعت بمعنى خلقا ذا إفك . { إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا } دليل ثان على شرارة ذلك من حيث إنه لا يجدي بطائل ، و{ رزقا } يحتمل المصدر بمعنى لا يستطيعون أن يرزقوكم وأن يراد المرزوق وتنكيره للتعميم . { فابتغوا عند الله الرزق } كله فإنه المالك له . { واعبدوه واشكروا له } متوسلين إلى مطالبكم بعبادته مقيدين لما حفكم من النعم بشكره ، أو مستعدين للقائه بهما ، فإنه { إليه ترجعون } وقرئ بفتح التاء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.