150- ولما رجع موسى من مناجاة ربه إلى قومه ، غضبان عليهم لعبادتهم العجل ، حزينا لأن اللَّه فتنهم - وكان اللَّه قد اخبره بذلك قبل رجوعه - فقال لهم : ما أقبح ما فعلتم بعد غيبتي ، أسَبَقْتم بعبادة العجل ما أمركم به ربكم من انتظاري وحفظ عهدي حتى آتيكم بالتوراة ؟ ! ووضع الألواح ، واتجه إلى أخيه لشدة حزنه حين رأي ما رأي من قومه ، وأخذ يشد أخاه من رأسه ويجره نحوه من شدة الغضب ، ظنا منه أنه قصر في كفَّهم عما فعلوا ، فقال هارون لموسى . يا ابن أمي إن القوم حين فعلوا ما فعلوا قد استضعفوني وقهروني ، وقاربوا قتلى لما نهيتهم عن عبادة العجل ، فلا تَسُر الأعداء بإيذائك لي ، ولا تعتقدني واحدا من الظالمين مع براءتي منهم ومن ظلمهم .
وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا أي : ممتلئا غضبا وغيظا عليهم ، لتمام غيرته عليه الصلاة السلام ، وكمال نصحه وشفقته ، قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أي : بئس الحالة التي خلفتموني بها من بعد ذهابي عنكم ، فإنها حالة تفضي إلى الهلاك الأبدي ، والشقاء السرمدي .
أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ حيث وعدكم بإنزال الكتاب . فبادرتم - برأيكم الفاسد - إلى هذه الخصلة القبيحة وَأَلْقَى الألْوَاحَ أي : رماها من الغضب وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ هارون ولحيته يَجُرُّهُ إِلَيْهِ وقال له : مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا * أن لا تَتَّبِعَن أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي لك بقولي : اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ ف قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي و قَالَ هنا ابْنَ أُمَّ هذا ترقيق لأخيه ، بذكر الأم وحدها ، وإلا فهو شقيقه لأمه وأبيه : إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي أي : احتقروني حين قلت لهم : يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي أي : فلا تظن بي تقصيرا فَلا تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاءَ بنهرك لي ، ومسك إياي بسوء ، فإن الأعداء حريصون على أن يجدوا عليَّ عثرة ، أو يطلعوا لي على زلة وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ فتعاملني معاملتهم .
كل ذلك وموسى - عليه السلام - بين يدي ربه ، في مناجاة وكلام ، لا يدري ما أحدث القوم بعده . . إلا أن ينبئه ربه . . وهنا يرفع الستار عن المشهد الحادي عشر :
( ولما رجع موسى الى قومه غضبان أسفاً . قال : بئسما خلفتموني من بعدي ! أعجلتم أمر ربكم ؟ وألقى الألواح ، وأخذ برأس أخيه يجره إليه . قال : ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني . فلا تشمت بي الأعداء ، ولا تجعلني مع القوم الظالمين . قال : رب اغفر لي ولأخي ، وأدخلنا في رحمتك ، وأنت أرحم الراحمين ) . .
لقد عاد موسى الى قومه غضبان أشد الغضب . يبدو انفعال الغضب في قوله وفعله . . يبدو في قوله لقومه :
( بئسما خلفتموني من بعدي ! أعجلتم أمر ربكم ؟ ) . .
ويبدو في فعله إذ يأخذ برأس أخيه يجره إليه ويعنفه .
( وأخذ برأس أخيه يجره إليه ! ) . .
وحق لموسى عليه السلام أن يغضب فالمفاجأة قاسية . والنقلة بعيدة :
( بئسما خلفتموني من بعدي ) . .
تركتكم على الهدى فخلفتموني بالضلال ، وتركتكم على عبادة الله فخلفتموني بعبادة عجل جسد له خوار !
أي استعجلتم قضاءه وعقابه ! أو ربما كان يعني : استعجلتم موعده وميقاته !
( وألقى الألواح ، وأخذ برأس أخيه يجره إليه ) . .
وهي حركة تدل على شدة الانفعال . . فهذه الألواح هي التي كانت تحمل كلمات ربه . وهو لا يلقيها إلا وقد أفقده الغضب زمام نفسه . وكذلك أخذه برأس أخيه يجره إليه . وأخوه هو هارون العبد الصالح الطيب !
فأما هارون فيستجيش في نفس موسى عاطفة الأخوة الرحيمة ، ليسكن من غضبه ، ويكشف له عن طبيعة موقفه ، وأنه لم يقصر في نصح القوم ومحاولة هدايتهم :
( قال : ابن أم ، إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني ! ) . .
وهنا ندرك كيف كان القوم في هياجهم واندفاعهم الى العجل الذهب ؛ حتى لهموا بهارون إذ حاول ردهم عن التردي والانتكاس :
ابن أم . . بهذا النداء الرقيق وبهذه الوشيجة الرحيمة .
( إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني ) . . بهذا البيان المصور لحقيقة موقفه .
( فلا تشمت بي الأعداء ) . . وهذه أخرى يستجيش بها هارون وجدان الأخوة الناصرة المعينة ، حين يكون هناك الأعداء الذين يشمتون !
( ولا تجعلني مع القوم الظالمين ) . .
القوم الذين ضلوا وكفروا بربهم الحق ، فأنا لم أضل ولم أكفر معهم ، وأنا بريء منهم !
يخبر تعالى أن موسى ، عليه السلام ، رجع إلى قومه من مناجاة ربه تعالى وهو غضبان أسف .
قال أبو الدرداء " الأسف " : أشد الغضب .
{ قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي } يقول : بئس ما صنعتم في عبادتكم العجل بعد أن ذهبت وتركتكم .
وقوله : { أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ } ؟ يقول : استعجلتم مجيئي إليكم ، وهو مقدر من الله تعالى .
وقوله : { وَأَلْقَى الألْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ } قيل : كانت الألواح من زُمُرُّد . وقيل : من ياقوت . وقيل : من بَرَد وفي هذا دلالة على ما جاء في الحديث : " ليس الخبر كالمعاينة " {[12141]}
ثم ظاهر السياق أنه إنما ألقى الألواح غضبًا على قومه ، وهذا قول جمهور العلماء سلفا وخلفا . وروى ابن جرير عن قتادة في هذا قولا غريبًا ، لا يصح إسناده إلى حكاية قتادة ، وقد رَدّه ابن عطية وغير واحد من العلماء ، وهو جدير بالرد ، وكأنه تَلَقَّاه قتادة عن بعض أهل الكتاب ، وفيهم كذابون ووَضّاعون وأفاكون وزنادقة .
وقوله : { وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ } خوفًا أن يكون قد قَصَّر في نهيهم ، كما قال في الآية الأخرى : { قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي . قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي } [ طه : 92 - 94 ] وقال هاهنا : { ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } أي : لا تَسُقني مَسَاقهم ، ولا تخلطني معهم . وإنما قال : { ابْنَ أُمَّ } ؛ لتكون{[12142]} أرأف وأنجع عنده ، وإلا فهو شقيقه لأبيه وأمه . فلما تحقق موسى ، عليه السلام ، براءة ساحة هارون [ عليه السلام ]{[12143]} كما قال تعالى : { وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي } [ طه : 90 ]
جُعل رجوع موسى إلى قومه غضبان كالأمر الذي وقع الإخبار عنه من قبلُ على الأسلوب المبين في قوله : { ولما جاء موسى لميقاتنا } [ الأعراف : 143 ] وقوله : { ولما سُقط في أيديهم } [ الأعراف : 149 ] . فرجوع موسى معلوم من تَحقق انقضاء المدة الموعود بها ، وكونُه رجع في حالة غضب مشعر بأن الله أوحى إليه فأعلمه بما صنع قومُه في مغيبه ، وقد صرح بذلك في سورة طه ( 85 ) { قال فإنّا قد فتنّا قومك من بَعدِك وأضلهم السامري } ف { غضبان أسِفاً } حَالان من موسى ، فهما قيدانِ ل{ رجع } فعلم أن الغضب والأسف مقارنان للرجوع .
والغْضب تقدم في قوله : { قال قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب } في هذه السورة ( 71 ) .
والأَسِف بدون مد ، صيغة مبالغة للآسف بالمد الذي هو اسم فاعل للذي حل به الأسف وهو الحزن الشديد ، أي رجع غضْبان من عصْيان قومه حزيناً على فساد أحوالهم ، وبئسما ضد نِعمّا ، وقد مضى القول عليه في قوله تعالى : { قل بئسما يأمركم به إيمانكم } في سورة البقرة ( 93 ) ، والمعنى بئست خلافة خلفتمونيها خِلاَفتُكم .
وتقدم الكلام على فعل خَلف في قوله : { اخلُفْني في قومي } [ الأعراف : 142 ] قريباً .
وهذا خطاب لهارون ووجوه القوم ، لأنهم خلفاء موسى في قومهم فيكون { خلفتموني } مستعملاً في حقيقته ، ويجوز أن يكون الخطاب لجميع القوم ، فأما هارون فلأنه لم يُحسن الخلافة بسياسة الأمة كما كان يسوسها موسى ، وأما القوم فلأنهم عبدوا العجل بعد غيبة موسى ، ومن لوازم الخلافة فعل ما كان يفعله المخلُوف عنه ، فهم لما تركوا ما كان يفعله موسى من عبادة الله وصاروا إلى عبادة العجل فقد انحرفوا عن سيرته فلم يخلفوه في سيرته ، وإطلاق الخلافة على هذا المعنى مجاز فيكون فعل { خلفتموني } مستعملاً في حقيقته ومجازه .
وزيادة { مِن بعدي } عقب { خلفتموني } للتذكير بالبَون الشاسع بين حال الخلف وحال المخلوفَ عنه تصوير لفظاعة ما خلفوه به أي بعدما سمعتم مني التحذير من الإشراك وزجركم عن تقليد المشركين حين قلتم : اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة ، فيكون قيد { من بعدي } للكشف وتصوير الحالة كقوله تعالى : { فخَر عليهم السقْف من فوقِهم } [ النحل : 26 ] ، ومعلوم أن السقف لا يكون إلاّ من فوق ، ولكنه ذكر لتصوير حالة الخرور وتهويلها ، ونظيره قوله تعالى ، بعد ذكر نفر من الأنبياء وصفاتهم ، { فخلف من بعدهم خَلْف } [ الأعراف : 169 ] أي من بعد أولئك الموصوفين بتلك الصفات .
و« عَجلَ » أكثرَ ما يستعمل قاصراً ، بمعنى فعل العجلة أي السرعة ، وقد يتعدى إلى المعمول « بعن » فيقال : عجلَ عن كذا بمعنى لم يتمّه بعد أن شَرع فيه ، وضده تَم على الأمر إذا شرع فيه فأتمّه ، ويستعمل عَجِل مضمناً معنى سَبَق فعّدَيَ بنفسه على اعتبار هذا المعنى ، وهو استعمال كثير .
ومعنى « عَجِل » هنا يَجوز أن يكون بمعنى لم يُتّمَ ، وتكون تعديته إلى المفعول على نزع الخافض .
والأمرُ يكون بمعنى التكليف وهو ما أمرهم الله به : من المحافظة على الشريعة ، وانتظار رجوعه ، فلم يتموا ذلك واستعجلوا فبدلوا وغيروا ، ويجوز أن يكون بمعنى سَبق أي بادرتم فيكون الأمر بمعنى الشأن أي الغضب والسخط كقوله : { أتى أمر الله فلا تستعجلوه } [ النحل : 1 ] وقوله : { حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور } [ هود : 40 ] فالأمر هو الوعيد ، فإن الله حذرهم من عبادة الأصنام وتوعدهم ، فكان الظن بهم إن وقع منهم ذلك إن يقع بعد طول المدة ، فلما فعلوا ما نُهوا عنه بحدثان عهد النهي ، جُعلوا سابقين له على طريقة الاستعارة : شبهوا في مبادرتهم إلى أسباب الغضب والسخط بسبق السابق المسبوقَ ، وهذا هو المعنى الأوضح ، ويوضحه قوله ، في نظير هذه القصة في سورة طه ( 86 ) ، حكاية عن موسى : { قال يا قوم ألم يَعدْكم ربكم وعداً حسناً أفطال عليكم العهد أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم فأخلفتم موعدي } وقد تعرضت التوراة إلى شيء من هذا المعنى في الإصحاح الثاني والثلاثين من سفر الخروج « وقال الله لموسى رأيتُ هذا الشّعْب فإذا هو شعب صلْب الرقبة فالآن اتركني ليحميَ غَضبي عليهم فأفنيهم » .
وإلقاء الألواح رَميُها من يده إلى الأرض ، وقد تقدم بيان الإلقاء آنفاً . وذلك يؤذن بأنه لما نزل من المناجاة كانت الألواح في يده كما صرح به في التوراة .
ثم إن إلقاءه إياها إنما كان إظهاراً للغضب ، أو أثراً من آثار فوران الغضب لما شاهدهم على تلك الحالة ، وما ذكر القرآن ذلك الإلقاءَ إلاّ للدلالة على هذا المعنى إذ ليس فيه من فوائد العبرة في القصة إلاّ ذلك ، فلا يستقيم قول من فسرها بأن الإلقاء لأجل إشغال يده بجرّ رأس أخيه ، لأن ذكر ذلك لا جرور فيه ، ولأنه لو كان كذلك لعطف ، وأخذ برأس أخيه بالفاء .
وروي أن موسى عليه السلام كان في خلقه ضيق ، وكان شديداً عند الغضب ، ولذلك وكزَ القبطي فقضى عليه ، ولذلك أخذ برأس أخيه يجره إليه ، فهو دليل على فظاعة الفعل الذي شاهده من قومه ، وذلك علامة على الفظاعة ، وتشنيع عليهم ، وليس تأديباً لهم ، لأنه لا يكون تأديبهم بإلقاء ألواح كُتب فيها ما يصلحهم ، لأن ذلك لا يناسب تصرف النبوءة ( ولذلك جزمنا بأن إعراض رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كتابة الكتاب الذي هَمَّ بكتابته قبيل وفاته لم يكن تأديباً للقوم على اختلافهم عنده ، كما هو ظاهر قول ابن عباس ، بل إنما كان ذلك لِما رأى من اختلافهم في ذلك ، فرأى أن الأوْلى ترك كتابته ، إذ لم يكن الدين محتاجاً إليه ) ووقع في التوراة أن الألواح تكسرت حين ألقاها ، وليس في القرآن ما يدل على ذلك سوى أن التعبير بالإلقاء الذي هو الرمي ، ومَا روي من أن الألواح كانت من حجر ، يقتضي أنها اعتراها انكسار ، ولكن ذلك الانكسار لا يُذهب ما احتوت عليه من الكتابة ، وأما ما روي أنها لما تكسرت ذهب ستة أسباعها ، أو ذهب تفصيلها وبقيت موعظتها ، فهو من وضع القصّاصين والله تعالى يقول : { ولما سكت عن موسى الغضبُ أخذ الألواح وفي نسختها هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون } [ الأعراف : 154 ] .
وأما أخذه برأس أخيه هارون يجره إليه ، أي إمساكه بشعر رأسه ، وذلك يولمه ، فذلك تأنيب لهارون على عدم أخذه بالشدة على عَبدَة العجل ، واقتصاره على تغيير ذلك عليهم بالقول ، وذلك دليل على أنه غير معذور في اجتهاده الذي أفصح عنه بقوله : { إني خشيت أن تقول فرقْت بين بني إسرائيل ولم تَرْقُب قولي } [ طه : 94 ] لأن ضعف مستنده جعله بحيث يستحق التأديب ، ولم يكن له عذراً ، وكان موسى هو الرسول لبني إسرائيل ، وما هارون إلاّ من جملة قومه بهذا الاعتبار ، وإنما كان هارون رسولاً مع موسى لفرعون خاصة ، ولذلك لم يسَعْ هارونَ إلاّ الاعتذارُ والاستصفاح منه .
وفي هذا دليل على أن الخطأ في الاجتهاد مع وضوح الأدلة غير معذور فيه صاحبه في إجراء الأحكام عليه ، وهو ما يسميه الفقهاء بالتأويل البَعيد ولا يظن بأن موسى عاقب هارون قبل تحقق التقصير .
وفصلت جملةٌ : { قال ابن أم } لوقوعها جوابها لحوار مقدر دل عليه قوله { وأخذ برأس أخيه يجره إليه } لأن الشأن أن ذلك لا يقع إلاّ مع كلام توبيخ ، وهو ما حكي في سورة طه ( 92 ، 93 ) بقوله : { قال يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضَلوا ألاَّ تتبعنِي أفعصيت أمري } على عادة القرآن في توزيع القصة ، واقتصاراً على موقع العبرة ؛ ليخالف أسلوبُ قصَصه الذي قصد منه الموعظة أساليبَ القصّاصين الذين يقصدون الخبر بكل ما حدث .
و { ابنَ أم } منادى بحذف حرف النداء ، والنداء بهذا الوصف للترقيق والاستشفاع ، وحذف حرف النداء لإظهار ما صاحب هارون من الرعب والاضطراب ، أو لأن كلامه هذا وقع بعد كلام سبقه فيه حرف النداء وهو المحكي في سورة طه ( 94 ) { قال يا بن أم لا تأخذ بلحيتي } ثم قال ، بعد ذلك { ابنَ أم إن القوم استضعفوني } فهما كلامان متعاقبان ، ويظهر أن المحكي هنا هو القول الثاني ، وأن ما في سورة طه هو الذي ابتدأ به هارون ، لأنه كان جواباً عن قول موسى : { ما منعك إذ رأيتهم ضَلوا أن لا تتبعني } [ طه : 92 ، 93 ] .
واختيار التعريف بالإضافة ؛ لتضمن المضاف إليه معنى التذكير بصلة الرحم ، لأن إخوة الأم أشد أواصر القرابة ؛ لاشتراك الأخوين في الألف من وقت الصبا والرضاع .
وفتح الميم في { ابن أم } قراءة نافع ، وابن كثير ، وأبي عَمرو ، وحفص عن عاصم ، وهي لغة مشهورة في المنادى المضاف إلى أم أو عَم ، وذلك بحذف ياء المتكلم وتعويض ألف عنها في آخر المنادى ، ثم يحذف ذلك الألف تخفيفاً ، ويجوز بقاء كسرة الميم على الأصل ، وهي لغة مشهورة أيضاً ، وبها قرأ ابن عامر ، وحمزة ، والكسائي ، وأبو بكر عن عاصم ، وخلفٌ .
وتقدم الكلام على الأم عند قوله تعالى : { حرمت عليكم أمهاتكم } في سورة النساء ( 23 ) .
وتأكيد الخبر ب { إن } لتحقيقه لدى موسى ، لأنه بحيث يتردد فيه قبل إخبار المخبر به ، والتأكيدُ يستدعيه قبولُ الخبر للتردد من قِبَل إخبار المخبر به ، وإن كان المخبر لا يُظن به الكذب ، أو لئلا يظن به أنه تَوهم ذلك من حال قومه ، وكانت حالهم دون ذلك .
والسين والتاء في { استضعفوني } للحسبان أي حسبوني ضعيفاً لا ناصر لي ، لأنهم تمالؤوا على عبادة العجل ولم يخالفهم إلا هارون في شرذمة قليلة .
وقوله : { وكادوا يقتلونني } يدل على أنه عارضهم معارضة شديدة ثم سلّم خشيةَ القتل .
والتفريع في قوله : { فَلا تُشمت بي الأعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين } تفريع على تبين عذره في إقرارهم على ذلك ، فطلب من أخيه الكف عن عقابه الذي يَشْمت به الأعداء لأجله ، ويجعله مع عداد الظالمين فطلبُ ذلك كنايةٌ عن طلب الإعراض عن العقاب .
والشماتة : سُرور النفس بما يصيب غيرها من الإضرار ، وإنما تحصل من العداوة والحسد . وفعلَها قاصر كفرح ، ومصدرها مخالف للقياس ، ويتعدى الفعل إلى المفعول بالباء يقال : شَمتَ به : أي : كان شامتاً بسببه ، وأشمته به جعله شامتاً به ، وأراد بالأعداء الذين دعوا إلى عبادة العجل ، لأن هارون أنكره عليهم فكرهوه لذلك ، ويجوز أن تكون شماتةُ الأعداء كلمة جرت مجرى المثل في الشيء الذي يُلحق بالمرءِ سوءاً شديداً ، سواء كان للمرء أعداء أو لم يكونوا ، جرياً على غالب العرْف .
ومعنى { ولا تجعلْني مع القوم الظالمين } لا تحسبني واحداً منهم ، ف ( جعل ) بمعنى ظن كقوله تعالى : { وجعلوا الملائكة الذين هم عند الرحمان إناثاً } [ الزخرف : 19 ] . والقوم الظالمون هم الذين أشركوا بالله عبادة العجل ، ويجوز أن يكون المعنى : ولا تجعلني في العقوبة معهم ، لأن مُوسى قد أمر بقتل الذين عَبدوا العجل ، ف ( جعل ) على أصلها .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{ولما رجع موسى إلى قومه} من الجبل، {غضبان أسفا}، يعني حزينا في صنع قومه في عبادة العجل وكان أخبره الله على الطور بأمر العجل، ثم قال: {قال بئسما خلفتموني من بعدي أعجلتم أمر ربكم}، يقول: استعجلتم ميقات ربكم أربعين يوما، {وألقى الألواح} من عاتقه... {وأخذ برأس أخيه} هارون {يجره إليه}، يعني إلى نفسه، {قال} هارون لموسى: {ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني فلا تشمت بي الأعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين}.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: ولما رجع موسى إلى قومه من بني إسرائيل، رجع غضبان أسفا، لأن الله كان قد أخبره أنه قد فتن قومه، وأن السامريّ قد أضلهم، فكان رجوعه غضبان أسفا لذلك. والأسف: شدّة الغضب والتغيظ به على من أغضبه...يقول: قال أبو الدرداء: قول الله:"غَضْبانَ أسِفا"، قال: الأسف: منزلة وراء الغضب أشدّ من ذلك، وتفسير ذلك في كتاب الله: ذهب إلى قومه غضبان، وذهب أسفا.
وقال آخرون... عن السديّ: أَسِفا قال: حزينا... والأسف على وجهين: الغضب والحزن...
وقوله قال: "بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي "يقول: بئس الفعل فعلتم بعد فراقي إياكم وأوليتموني فيمن خلفت من ورائي من قومي فيكم وديني الذي أمركم به ربكم، يقال منه: خلفه بخير وخلفه بشرّ إذا أولاه في أهله أو قومه ومن كان منه بسبيل من بعد شخوصه عنهم خيرا أو شرّا.
وقوله: "أعَجِلْتُمْ أمْرَ رَبّكُمْ "يقول: أسبقتم أمر ربكم في نفوسكم، وذهبتم عنه؟ يقال منه: عجل فلان هذا الأمر: إذا سبقه، وعجل فلانٌ فلانا إذا سبقه، ولا تعجَلني يا فلان: لا تذهب عني وتدعني، وأعجلته: استحثثته. "وألْقَى الألْوَاحَ وأخَذَ بِرأسِ أخِيهِ يَجُرّهُ إلَيْهِ قالَ ابْنَ أُمّ إنّ القَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وكادُوا يَقْتُلُونَنِي" يقول تعالى ذكره: وألقى موسى الألواح... ألقاها غضبا على قومه الذي عبدوا العجل... وأما قوله: "وأخَذَ بِرأسِ أخِيهِ يَجُرّهُ إلَيْهِ" فإن ذلك من فعل نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان لموجدته على أخيه هارون في تركه اتباعه وإقامته مع بني إسرائيل في الموضع الذي تركهم فيه، كما قال جلّ ثناؤه مخبرا عن قيل موسى عليه السلام له: "ما مَنَعَكَ إذْ رأيْتَهُمْ ضَلّوا ألاّ تَتّبِعَنِي أفَعَصَيْتَ أمْرِي"؟ حين أخبره هارون بعذره، فقبل عذره، وذلك قيله لموسى: "لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرأسِي إنّي خَشِيتُ أنْ تَقُولَ فَرّقْتَ بينَ بَنِي إسْرَائِيلَ وَلمْ تَرْقُبْ قَوْلي" وقال: "يا ابْنَ أُمّ إنّ القَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وكادُوا يَقْتُلُونِني فَلا تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاء..."... وقيل: إن هارون إنما قال لموسى عليه السلام: «يا ابن أمّ»، ولم يقل: «يا ابن أبي»، وهما لأب واحد وأم واحدة، استعطافا له على نفسه برحِم الأم. وقوله: "إنّ القَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وكادُوا يَقْتُلُونَنِي" يعني بالقوم الذين عكفوا على عبادة العجل، وقالوا هذا إلهنا وإله موسى، وخالفوا هارون. وكان استضعافهم إياه، تركهم طاعته واتباع أمره. "وكَادُوا يَقْتُلُونَني" يقول: قاربوا ولم يفعلوا.
..."فَلا تُشْمِتْ"...من قولهم: أشمت فلان فلانا بفلان، إذا سرّه فيه بما يكرهه المُشمَت به...
وأما قوله: "وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ القَوْمِ الظّالِمِينَ" فإنه قول هارون لأخيه موسى، يقول: لا تجعلني في موجدتك عليّ وعقوبتك لي -ولم أخالف أمرك- محلّ من عصاك فخالف أمرك وعبد العجل بعدك فظلم نفسه وعبد غير من له العبادة، ولم أشايعهم على شيء من ذلك...
{أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ}: قد قيل إن العجلة: التقدم بالشيء قبل وقته، والسرعة: عمله في أول أوقاته؛ ولذلك صارت العجلة مذمومة...
النكت و العيون للماوردي 450 هـ :
{أَعَجِلْتُم أَمْرَ رَبِّكُمْ} فيه قولان: أحدهما: يعني وعد ربكم الذي وعدني به من الأربعين ليلة، وذلك أنه قَدَّروا أنه قد مات لمَّا لم يأت على رأس الثلاثين ليلة، قاله الحسن والسدي. والثاني: وعد ربكم بالثواب على عبادته حتى عدلتم إلى عبادة غيره، قاله بعض المتأخرين...
{فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأَعْدَاءَ} يعني من خالفه في عبادة العجل لأنهم قد صاروا لمخالفتهم له أعداء...
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
لو وجد موسى قومه بألف ألف وِفاقٍ لكان متنغِّصَ العيش لِمَا مني به من حرمان سماع الخطاب والرد إلى شهود الأغيار.. فكيف وقد وجد قومه قد ضلوا وعبدوا العجل؟ ولا يُدْرَى أيُّ المحن كانت أشدَّ على موسى: أَفِقدانُ سماع الخطابِ؟ أو بقاؤه عن سؤال الرؤية؟ أو ما شاهد من افتتان بني إسرائيل، واستيلاء الشهوة على قلوبهم في عبادة العجل؟ سبحان الله! ما أَشدَّ بلاءه على أوليائه!فقال: {ابْنَ أُمَّ} [طه: 94] فَذَكَرَ الأمَّ هنا للاسترفاق والاسترحام. وكذلك قوله: {تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِى} [طه: 94] يريد بهذا أنه قد توالت المحنُ علي فذرني وما أنا فيه، ولا تَزِدْ في بلائي، خلفتني فيهم فلم يستنصحوني، وتلك عليَّ شديدةٌ، ولقيتُ بَعْدَكَ منهم ما ساءني، ولقد علمت أنها كانت علي عظيمة كبيرة، وعند ذلك رقَّ له موسى -عليه السلام، ورجع إلى الابتهال إلى الله والسؤال بنشر الافتقار فقال: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ} وفي هذا إشارة إلى وجوب الاستغفار على العبد في عموم الأحوال... ويقال: ارتكابُ الذَّنْبِ كان من بني إسرائيل، والاعتذارُ كان من موسى وهارون عليهما السلام، وكذا الشرط في باب خلوص العبودية.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
... {خَلَفْتُمُونِي}: قمتم مقامي وكنتم خلفائي من بعدي. وهذا الخطاب إما أن يكون لعبدة العجل من السامري وأشياعه أو لوجوه بني إسرائيل وهم هارون عليه السلام والمؤمنون معه. ويدلّ عليه قوله: {اخلفني فِي قَوْمِي} [الأعراف: 142] والمعنى: بئس ما خلفتموني حيث عبدتم العجل مكان عبادة الله، أو حيث لم تكفوا من عبد غير الله...
فإن قلت: أي معنى لقوله: {مِن بَعْدِى} بعد قوله: {خلفتموني}؟ قلت: معناه من بعد ما رأيتم مني، من توحيد الله، ونفي الشركاء عنه، وإخلاص العبادة له. أو من بعد ما كنت أحمل بني إسرائيل على التوحيد، وأكفهم عما طمحت نحوه أبصارهم من عبادة البقر، حين قالوا: {اجعل لَّنَا إلها كَمَا لَهُمْ ءالِهَةٌ} [الأعراف: 128] ومن حق الخلفاء أن يسيروا بسيرة المستخلف من بعده ولا يخالفوه، ونحوه: {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ} [الأعراف: 169] أي من بعد أولئك الموصوفين بالصفات الحميدة.
[{أَعَجِلْتُم أَمْرَ رَبِّكُمْ}] يقال: عجل عن الأمر إذا تركه غير تام، ونقيضه تم عليه وأعجله عنه غيره، ويضمن معنى سبق فيتعدّى تعديته، فيقال عجلت الأمر، والمعنى أعجلتم عن أمر ربكم، وهو انتظار موسى حافظين لعهده وما وصاكم به، فبنيتم الأمر على أن الميعاد قد بلغ آخره ولن أرجع إليكم فحدَّثتم أنفسكم بموتي، فغيّرتم كما غيرت الأمم بعد أنبيائهم...
{وَأَلْقَى الالواح} وطرحها لما لحقه من فرط الدهش وشدّة الضجر عند استماعه حديث العجل، غضباً لله وحمية لدينه، وكان في نفسه حديداً شديد الغضب، وكان هارون ألين منه جانباً... {وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ} أي بشعر رأسه {يَجُرُّهُ إِلَيْهِ} بذؤابته وذلك لشدّة ما ورد عليه من الأمر الذي استفزه وذهب بفطنته، وظناً بأخيه أنه فرط في الكف. {ابن أُمَّ}... وقيل: كان أخاه لأبيه وأمّه، فإن صحّ فإنما أضافه إلى الأم، إشارة إلى أنهما من بطن واحد، وذلك أدعى إلى العطف والرقة، وأعظم للحق الواجب، ولأنها كانت مؤمنة فاعتدّ بنسبها، ولأنها هي التي قاست فيه المخاوف والشدائد فذكره بحقها {إِنَّ القوم استضعفوني}: يعني أنه لم يأل جهداً في كفهم بالوعظ والإنذار وبما بلغته طاقته من بذل القوة في مضادّتهم حتى قهروه واستضعفوه ولم يبق إلاّ أن يقتلوه {يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِي الاعداء}: فلا تفعل بي ما هو أمنيتهم من الاستهانة بي والإساءة إليّ... والمراد أن لا يحل به ما يشمتون به لأجله، {وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ القوم الظالمين}: ولا تجعلني في موجدتك عليّ وعقوبتك لي قريناً لهم وصاحباً، أو ولا تعتقد أني واحد من الظالمين مع براءتي منهم ومن ظلمهم...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{إن القوم} أي عبدة العجل الذين يعرف قيامهم في الأمور التي يريدونها {استضعفوني} أي عدوني ضعيفاً وأوجدوا ضعفي بإرهابهم لي {وكادوا يقتلونني} أي قاربوا ذلك لإنكاري ما فعلوه فسقط عني الوجوب. ولما تسبب عن ذلك إطلاقه، خاف أن يمنعه الغضب من ثبات ذلك في ذهنه وتقرره في قلبه فقال: {فلا تشمت بي الأعداء} أي لا تسرهم بما تفعل بي فأكون ملوماً منهم ومنك؛ ولما استعطفه بالتذكير بالشماتة التي هي شماتة به أيضاً، أتبعه ضرراً يخصه فقال: {ولا تجعلني} أي بمؤاخذتك لي {مع القوم الظالمين} أي فتقطعن بعدّك لي معهم وجعلي في زمرتهم عمن أحبه من الصالحين، وتصلني بمن أبغضه من الفاسدين الذين فعلوا فعل من هو في الظلام، فوضعوا العبادة في غير موضعها من غير شبهة ولا لبس أصلاً.
فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني 1250 هـ :
قوله: {فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعداء} الشماتة: السرور من الأعداء بما يصيب من يعادونه مع المصائب، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: «اللهم إني أعوذ بك من سوء القضاء، ودرك الشقاء، وجهد البلاء، وشماتة الأعداء» وهو في الصحيح
تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :
{ولمّا رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا} ذكر في أول مادة (أ س ف) من لسان العرب أن الأسف شدة الحزن والغضب. والأكثرون لا يشترطون شدتهما قال في المصباح: أسف أسفا من باب تعب حزن وتلهف فهو أسف مثل تعب، وأسف مثل غضب وزنا ومعنى، ويعدى بالهمزة فيقال آسفته. وقال الراغب: الأسف الحزن والغضب معا، وقد يقال لكل منهما على الانفراد، وحقيقته ثوران دم القلب شهوة الانتقام فمتى كان ذلك على من دونه انتشر فصار غضبا، ومتى كان على من فوقه انقبض فصار حزنا، ولذلك سئل ابن عباس عن الحزن والغضب؟ فقال مخرجهما واحد واللفظ مختلف فمن نازع من يقوى عليه أظهره غيظا وغضبا، ومن نازع من لا يقوى عليه أظهره حزنا وجزعا... ثم ذكر أن الأسف في الآية التي نفسرها هو الغضبان فهو إذاً مترادف، وقد فاته هنا ما نعهد من تحقيقه لمدلولات الألفاظ وما أظن أن ما نقله عن ابن عباس يصح فإن ما ذكر من المقابلة بين الغضب والحزن إنما يظهر بين الغضب والحقد، وإنما الحزن ألم النفس بفقد ما تحب من مال أو أهل أو ولد. وليس من شهوة الانتقام في شيء. ومن شواهد استعمال الأسف بمعنى الحزن قوله تعالى حكاية عن يعقوب عليه السلام {وقال يا أسفى على يوسف} [يوسف: 84] ومن شواهد استعماله بمعنى الغضب قوله تعالى: {فلمّا آسفونا انتقمنا منهم} [الزخرف: 55] ولا يوصف تعالى بالحزن ولا يسند إليه. وغضبه سبحانه ليس كغضب البشر ألما في النفس، ولا أثرا لغليان دم القلب، تعالى عن هذه الانفعالات والآلام البشرية، وإنما هو صفة تليق به هي سبب العقاب. والجمع بين الغضبان والأسف في صفة موسى عليه السلام يدل على أن الأسف بمعنى الحزين.
والمعنى أنه لما رجع موسى من الطور إلى قومه غضبان على أخيه هارون إذ رأى أنه ضعف في سياسته لهم، ولم يكن ذا عزيمة في خلافته فيهم، حزينا على ما وقع منهم من كفر الشرك، وإغضاب الله عز وجل: {قال بئسما خلفتموني من بعدي} أي بئس خلافة خلفتمونيها من بعد ذهابي عنكم إلى مناجاة الرب تعالى من بعد ما كان من شأني معكم أن لقنتكم التوحيد وكففتكم عن الشرك وبينت لكم فساده وبطلانه وسوء عاقبة أمره حين رأيتم القوم الذين يعكفون على أصنام لهم من تماثيل البقر- فكان الواجب عليكم أن تخلفوني باقتفاء سيرتي ولكنكم خلفتموني بضدها إذ صنعتم لكم صنما كأصنام أولئك القوم أو كأحد أصنام المصريين فعبده بعضكم، ولم يردعكم عن ذلك سائركم- فالتوبيخ عام، وفيه تعريض خاص بهارون عليه السلام لأنه جعله خليفته فيهم كما تقدم.
{أعجلتم أمر ربكم} قال في لسان العرب: وعجله سبقه، وأعجله استعجله. وفي التنزيل العزيز {أعجلتم أمر ربكم} أي استبقتم، قال الفراء: تقول عجلت الشيء أي سبقته وأعجلته استحثثته. 1ه... والمراد بالأربعين ما بينه من أنها الليالي التي واعد موسى ربه كما تقدم.
ثم قال: {وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجرّه إليه} أي وطرح الألواح من يديه ليأخذ برأس أخيه مما كان من شدة غضبه لله تعالى وأسفه لما فعل قومه من الشرك به ولما ظن من تقصير أخيه وأخذ بشعر رأس أخيه يجره إليه بذؤابته، إذ كان الواجب عليه في اجتهاد موسى أن يردعهم ويكفهم عن عبادة العجل إن قدر كما فعل هو بتحريقه وإلقائه في اليم –وأن يتبعه إلى جبل الطور إن لم يقدر كما حكى الله تعالى عنه في سورة طه: {قال يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلّوا * ألّا تتّبعن أفعصيت أمري} [طه: 92، 93]؟
والاجتهاد يختلف باختلاف أحوال المجتهدين فالقوي الشديد الغضب للحق بالحق كموسى عليه السلام، يشعر بما لا يشعر به من يغلب عليه الحلم ولين العريكة كهارون عليه السلام. وقد بحث بعض المفسرين في إلقاء الألواح وما روي من تكسر بعضها هل يتضمن تقصيرا في تعظيم كلام الله تعالى؟ وكيف يمكن أن يقع مثل ذلك من الرسول المعصوم ولو في حال الغضب الشديد؟ بل توهم بعضهم أنه يتضمن في نفسه نوع إهانة للألواح فوجب بيان المخرج منه. والمختار عندنا في الجواب عن هذه الأوهام أن إلقاء الألواح لا يقتضي إهانة لها، كما أن إلقاء العصا لإقامة الحجة على السحرة لا يتضمن مثل ذلك، فالإلقاء في نفسه لا يقتضي ذلك لغة ولا عادة وإنما يقع ما يقع من مثل ذلك بقصد وهو ممتنع هنا قطعا- وإن كان الغضب مظنة له، فعلم بهذا أن ما أطال به بعضهم لا طائل تحته ولا حاجة إليه.
وماذا كان جواب هارون عليه السلام {قال ابن أمّ إنّ القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني}... والمعنى: يا ابن أمي لا تعجل بمؤاخذتي وتعنيفي فإنني لم آل جهدا في الإنكار على القوم والنصح لهم ولكنهم استضعفوني فلم يرعووا لنصحي ولم يمتثلوا أمري، بل قاربوا أن يقتلوني {فلا تشمت بي الأعداء ولا تجعلني مع القوم الظّالمين} أي فلا تفعل بي من المعاتبة والإهانة ما يشمت بي الأعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين لأنفسهم بعبادة العجل بأني تلزني بهم في قرن من الغضب والمؤاخذة فلست منهم في شيء. والظاهر أنه يعني بالأعداء والظالمين فريقا واحدا وهم الذين عبدوا العجل فأنكر عليهم فوجدوا عليه وكادوا يقتلونه، وهذا دليل على أنه كان دون موسى في قوة الإرادة وشدة العزيمة، وهو ما اتفق عليه علماؤنا وعلماء أهل الكتاب.
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
"إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي" أي: احتقروني حين قلت لهم: "يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي" "وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي" أي: فلا تظن بي تقصيرا "فَلا تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاءَ" بنهرك لي، ومسك إياي بسوء، فإن الأعداء حريصون على أن يجدوا عليَّ عثرة، أو يطلعوا لي على زلة "وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ" فتعاملني معاملتهم.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
لقد عاد موسى الى قومه غضبان أشد الغضب. يبدو انفعال الغضب في قوله وفعله.. يبدو في قوله لقومه: (بئسما خلفتموني من بعدي! أعجلتم أمر ربكم؟).. ويبدو في فعله إذ يأخذ برأس أخيه يجره إليه ويعنفه. (وأخذ برأس أخيه يجره إليه!).. وحق لموسى عليه السلام أن يغضب فالمفاجأة قاسية. والنقلة بعيدة: (بئسما خلفتموني من بعدي).. تركتكم على الهدى فخلفتموني بالضلال، وتركتكم على عبادة الله فخلفتموني بعبادة عجل جسد له خوار! (أعجلتم أمر ربكم؟).. أي استعجلتم قضاءه وعقابه! أو ربما كان يعني: استعجلتم موعده وميقاته! (وألقى الألواح، وأخذ برأس أخيه يجره إليه).. وهي حركة تدل على شدة الانفعال.. فهذه الألواح هي التي كانت تحمل كلمات ربه. وهو لا يلقيها إلا وقد أفقده الغضب زمام نفسه. وكذلك أخذه برأس أخيه يجره إليه. وأخوه هو هارون العبد الصالح الطيب! فأما هارون فيستجيش في نفس موسى عاطفة الأخوة الرحيمة، ليسكن من غضبه، ويكشف له عن طبيعة موقفه، وأنه لم يقصر في نصح القوم ومحاولة هدايتهم: (قال: ابن أم، إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني!).. وهنا ندرك كيف كان القوم في هياجهم واندفاعهم الى العجل الذهب؛ حتى لهموا بهارون إذ حاول ردهم عن التردي والانتكاس: ابن أم.. بهذا النداء الرقيق وبهذه الوشيجة الرحيمة. (إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني).. بهذا البيان المصور لحقيقة موقفه. (فلا تشمت بي الأعداء).. وهذه أخرى يستجيش بها هارون وجدان الأخوة الناصرة المعينة، حين يكون هناك الأعداء الذين يشمتون! (ولا تجعلني مع القوم الظالمين).. القوم الذين ضلوا وكفروا بربهم الحق، فأنا لم أضل ولم أكفر معهم، وأنا بريء منهم!
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
والأَسِف بدون مد، صيغة مبالغة للآسف بالمد الذي هو اسم فاعل للذي حل به الأسف وهو الحزن الشديد، أي رجع غضْبان من عصْيان قومه حزيناً على فساد أحوالهم، وبئسما ضد نِعمّا، وقد مضى القول عليه في قوله تعالى: {قل بئسما يأمركم به إيمانكم} في سورة البقرة (93)، والمعنى بئست خلافة خلفتمونيها خِلاَفتُكم.
ومعنى « عَجِل» هنا يَجوز أن يكون بمعنى لم يُتّمَ، وتكون تعديته إلى المفعول على نزع الخافض.
والأمرُ يكون بمعنى التكليف وهو ما أمرهم الله به: من المحافظة على الشريعة، وانتظار رجوعه، فلم يتموا ذلك واستعجلوا فبدلوا وغيروا، ويجوز أن يكون بمعنى سَبق أي بادرتم فيكون الأمر بمعنى الشأن أي الغضب والسخط كقوله: {أتى أمر الله فلا تستعجلوه} [النحل: 1] وقوله: {حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور} [هود: 40] فالأمر هو الوعيد، فإن الله حذرهم من عبادة الأصنام وتوعدهم، فكان الظن بهم إن وقع منهم ذلك إن يقع بعد طول المدة، فلما فعلوا ما نُهوا عنه بحدثان عهد النهي، جُعلوا سابقين له على طريقة الاستعارة: شبهوا في مبادرتهم إلى أسباب الغضب والسخط بسبق السابق المسبوقَ، وهذا هو المعنى الأوضح، ويوضحه قوله، في نظير هذه القصة في سورة طه (86)، حكاية عن موسى: {قال يا قوم ألم يَعدْكم ربكم وعداً حسناً أفطال عليكم العهد أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم فأخلفتم موعدي}...
وإلقاء الألواح: رَميُها من يده إلى الأرض، وقد تقدم بيان الإلقاء آنفاً. وذلك يؤذن بأنه لما نزل من المناجاة كانت الألواح في يده كما صرح به في التوراة.
ثم إن إلقاءه إياها إنما كان إظهاراً للغضب، أو أثراً من آثار فوران الغضب لما شاهدهم على تلك الحالة، وما ذكر القرآن ذلك الإلقاءَ إلاّ للدلالة على هذا المعنى إذ ليس فيه من فوائد العبرة في القصة إلاّ ذلك، فلا يستقيم قول من فسرها بأن الإلقاء لأجل إشغال يده بجرّ رأس أخيه، لأن ذكر ذلك لا جرور فيه، ولأنه لو كان كذلك لعطف، وأخذ برأس أخيه بالفاء.
.. وأما أخذه برأس أخيه هارون يجره إليه، أي إمساكه بشعر رأسه، وذلك يؤلمه، فذلك تأنيب لهارون على عدم أخذه بالشدة على عَبدَة العجل، واقتصاره على تغيير ذلك عليهم بالقول، وذلك دليل على أنه غير معذور في اجتهاده الذي أفصح عنه بقوله: {إني خشيت أن تقول فرقْت بين بني إسرائيل ولم تَرْقُب قولي} [طه: 94] لأن ضعف مستنده جعله بحيث يستحق التأديب، ولم يكن له عذراً، وكان موسى هو الرسول لبني إسرائيل، وما هارون إلاّ من جملة قومه بهذا الاعتبار، وإنما كان هارون رسولاً مع موسى لفرعون خاصة، ولذلك لم يسَعْ هارونَ إلاّ الاعتذارُ والاستصفاح منه.
وفي هذا دليل على أن الخطأ في الاجتهاد مع وضوح الأدلة غير معذور فيه صاحبه في إجراء الأحكام عليه، وهو ما يسميه الفقهاء بالتأويل البَعيد ولا يظن بأن موسى عاقب هارون قبل تحقق التقصير.
والسين والتاء في {استضعفوني} للحسبان أي حسبوني ضعيفاً لا ناصر لي، لأنهم تمالؤوا على عبادة العجل ولم يخالفهم إلا هارون في شرذمة قليلة.
وقوله: {وكادوا يقتلونني} يدل على أنه عارضهم معارضة شديدة ثم سلّم خشيةَ القتل.
.. والشماتة: سُرور النفس بما يصيب غيرها من الإضرار، وإنما تحصل من العداوة والحسد. وفعلَها قاصر كفرح، ومصدرها مخالف للقياس، ويتعدى الفعل إلى المفعول بالباء يقال: شَمتَ به: أي: كان شامتاً بسببه، وأشمته به جعله شامتاً به، وأراد بالأعداء الذين دعوا إلى عبادة العجل، لأن هارون أنكره عليهم فكرهوه لذلك، ويجوز أن تكون شماتةُ الأعداء كلمة جرت مجرى المثل في الشيء الذي يُلحق بالمرءِ سوءاً شديداً، سواء كان للمرء أعداء أو لم يكونوا، جرياً على غالب العرْف.
ومعنى {ولا تجعلْني مع القوم الظالمين} لا تحسبني واحداً منهم، ف (جعل) بمعنى ظن كقوله تعالى: {وجعلوا الملائكة الذين هم عند الرحمان إناثاً} [الزخرف: 19]. والقوم الظالمون هم الذين أشركوا بالله عبادة العجل..
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
... {أعجلتم أمر ربكم} أردتم العجلة في أمر ربكم وذلك خروج عن حدودكم.
{وألقى الألواح}، التي تلقاها عن ربه مكتبوبة مفروضة جانبا، لا أنه رماها حتى تكسرت كما زعم بعض المفسرين. بل ألقاها جانبا ليفرغ لمناقشة الذين غيروا وبدلوا من بعده، ومن سكتوا عن تغييرهم، وأول مسئول سأله هو أخوه هارون، قال تعالى: {وأخذ برأس أخيه يجره إليه} أكثر المفسرين على أنه في غضبه، قد أخذ لحية أخيه وقبض قبضة من شعره يجره إليه، وقالوا: إن ذلك كان متعارفا عندهم، أو لأنه أراد مناجاته، أو أراد أن يسر إليه أمر الألواح، أو أراد نصحه، ونرى ذلك بعيدا عن روح النص؛ إنما الظاهر أنه أراد لومه لوما شديدا؛ بحسب أنه قصر عن مقدرة بدليل رد هارون: {ابن أم إن القوم استضعفوني}. ويصح لنا أن نقول على هذا إنه يصح أن يكون أخذ اللحية وجر الرأس لا يراد به حقيقته إنما يراد به لازمه، وهو إلقاؤه التبعة عليه لأنه خلفه عليهم، ونهاه عن أن يتبع القوم المفسدين، وأن ذلك كناية عن هذا؛ لأن ذلك لا يكون عند اللوم الشديد، وقد اعتذر لأخيه بأنهم استضعفوه، أي عدوه ضعيفا، أو طلبوا موضع الضعف فيه، وهو أنه ليس المسئول الأصلي، وإنما هو ردء لأخيه، وقد غاب الأصل، فاستضعفوا خليفته، وقال: {وكادوا يقتلونني} أي شدد النكير عليهم حتى كادوا يقتلونه، أي قاربوا أن يقتلوه، {فلا تشمت بي الأعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين} طلب من أخيه أمرين: أولهما، ألا يتمادى في مؤاخذته فيشمت الأعداء بهارون وهو المداوم على نصرته، وعرض نفسه معه لأذى فرعون الطاغية، الثاني: ألا يجعله في عداد الظالمين، بأن يعتبره ممن عبدوا العجل، أو تهاونوا في استنكاره، فإنه قد قام بحق الخلافة عن أخيه، ولكنهم وقعوا فيما وقعوا فيه بأمر لا قبل له في دفعة، وهو له منكر.
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
{وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ} في تعبيرٍ صارخٍ عن الحالة النفسية التي كان يعيشها موسى إزاء ما حدث، وربّما تحدّث الكثيرون عن مبدأ العصمة في شخصيته كنبيٍّ، وعن التساؤل الإيمانيّ في مدى انسجام هذا التصرف الغاضب مع هذا المبدأ، ولكننا لا نجد تنافياً بينهما إذا أردنا أخذ القضية ببساطةٍ بعيداً عن التعقيد والتكلف، فموسى بشرٌ يغضب كما يغضب البشر، ولكن الفرق بينه وبينهم، أن لغضبه ضوابط، فلا يتصرف بما لا يرضي الله، ولا يغضب إلا لما يرضاه الله. وقد غضب على قومه لله، وعلى أخيه هارون للغرض نفسه.