معاني القرآن للفراء - الفراء  
{وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰٓ إِلَىٰ قَوۡمِهِۦ غَضۡبَٰنَ أَسِفٗا قَالَ بِئۡسَمَا خَلَفۡتُمُونِي مِنۢ بَعۡدِيٓۖ أَعَجِلۡتُمۡ أَمۡرَ رَبِّكُمۡۖ وَأَلۡقَى ٱلۡأَلۡوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأۡسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُۥٓ إِلَيۡهِۚ قَالَ ٱبۡنَ أُمَّ إِنَّ ٱلۡقَوۡمَ ٱسۡتَضۡعَفُونِي وَكَادُواْ يَقۡتُلُونَنِي فَلَا تُشۡمِتۡ بِيَ ٱلۡأَعۡدَآءَ وَلَا تَجۡعَلۡنِي مَعَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (150)

وقوله : { أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ }

تقول : عجِلت الشيء : سبقته ، وأعجلته استحثثته .

وقوله : { وَأَلْقَى الأَلْوَاحَ } ذكر أنهما كانا لوحين . وجاز أن يقال الألواح للاثنين كما قال { فإنْ كان لَهُ إخْوَةٌ } وهما أخوان وكما قال { إن تَتُوبَا إلى اللّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما } وهما قلبان .

وقوله تبارك وتعالى : { قَالَ ابْنَ أُمَّ } يقرأ ( ابن أمَّ ، وأُمِّ ) بالنصب والخفض ، وذلك أنه كثر في الكلام فحذفت العرب منه الياء . ولا يكادون يحذفون الياء إلا من الاسم المنادَى يضيف المنادِى إلى نفسه ، إلاّ قولهم : يا بن عمّ يا بن أمِّ . وذلك أنه يكثرا استعمالهما في كلامهم . فإذا جاء مالا يستعمل أثبتوا الياء فقالوا : يا بن أبى ، ويا بن أخي ، ويا بن خالتي ، فأثبتوا الياء . ولذلك قالوا : يا بن أمَّ ، ويا بن عمَّ فنصبوا كما تنصب المفرد في بعض الحالات ، فيقال : حسرتا ، ويا ويلتا ، فكأنهم قالوا : يا أماه ، ويا عماه . ولم يقولوا ذلك في أخ ، ولو قيل كان صوابا . وكان هارون أخاه لأبيه وأمّه . وإنما قال له ( يا بن أم ) ليستعطفه عليه .

وقوله : { فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأَعْدَاء } من أشمت ، حدّثنا محمد قال حدّثنا الفراء قال حدّثنا سفيان بن عُيينة عن رجل - أظنه الأعرج - عن مجاهد أنه قرأ ( فلا تَشْمِت بي ) ولم يسمعها من العرب ، فقال الكسائي : ما أدرى لعلهم أرادوا ( فلا تَشْمَت بِي الأعداء ) فإن تكن صحيحة فلها نظائر ، العرب تقول فرغت : وفرِغت . فمن قال فرَغت قال : أنا أفرُغ ، ومن قال فرِغت قال أنا أَفرَغ ، ورَكَنت ورِكنت وشمِلهم شر ، وشمَلهم ، في كثير من الكلام . و( الأعداء ) رفع لأن الفعل لهم ، لمن قال : تَشْمَت أو تَشْمِت .