غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰٓ إِلَىٰ قَوۡمِهِۦ غَضۡبَٰنَ أَسِفٗا قَالَ بِئۡسَمَا خَلَفۡتُمُونِي مِنۢ بَعۡدِيٓۖ أَعَجِلۡتُمۡ أَمۡرَ رَبِّكُمۡۖ وَأَلۡقَى ٱلۡأَلۡوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأۡسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُۥٓ إِلَيۡهِۚ قَالَ ٱبۡنَ أُمَّ إِنَّ ٱلۡقَوۡمَ ٱسۡتَضۡعَفُونِي وَكَادُواْ يَقۡتُلُونَنِي فَلَا تُشۡمِتۡ بِيَ ٱلۡأَعۡدَآءَ وَلَا تَجۡعَلۡنِي مَعَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (150)

142

{ ولما رجع موسى إلى قومه } قال بعضهم إن موسى قد عرف خبر القوم بعد رجوعه إليهم . وقال الأكثرون وهو قول أبي مسلم : إنه كان عارفاً بذلك قبل رجوعه بدليل قوله { غضبان أسفاً } فإنه يدل على أن هاتين الحالتين حاصلتان له عند رجوعه إليهم ولما جاء في سورة طه { قد فتنا قومك من بعدك } [ الآية : 85 ] وفي دليل ظاهر على أنه تعالى أخبره بوقوع الواقعة في الميقات . والأسف الشديد الغضب وهو قول أبي الدرداء والزجاج . وعن ابن عباس والحسن إنه الحزين . وقال الواحدي : هما متقاربان فإذا جاءك ممن هو دونك غضبت وإذا جاءك ممن هو فوقك حزنت ، فكأن موسى غضبان على قومه أسفاً من فتنة ربه { بئسما خلفتموني } خاطب عبدة العجل أو وجوه القوم - هارون والمؤمنين - حيث لم يكفوا العبدة . وفاعل { بئس } مضمر يفسره { ما خلفتموني } والمخصوص محذوف التقدير : بئس خلافة خلفتمونيها من بعدي خلافتكم . ومعنى { من بعدي } مع قوله { خلفتموني } من بعد ما رأيتم مني من توحيد الله ونفي الأنداد أو من بعد ما كنت أحمل القوم عليه من التوحيد والكف من اتخاذ إله غير الله حيث قالوا جعل لنا إلهاً ومن حق الخلفاء أن يسيروا بسيرة مستخلفيهم من بعدهم ولا يخالفوهم ونظير الآية قوله { فخلف من بعدهم خلف } [ مريم : 58 ] أي من بعد أولئك الموصوفين بالصفات الحميدة { أعجلتم أمر ربكم } قال الواحدي : العجلة التقدم بالشيء قبل وقته ولذلك صارت مذمومة في الأغلب بخلاف السرعة فإنها عمل الشيء في أوّل وقته . قال ابن عباس : يعني أعجلتم ميعاد ربكم فلم تصبروا له . وقال الحسن : أعجلتم وعد ربكم الذي وعدكم من الأربعين وذلك أنهم قدّروا أنه لما لم يأت على رأس الثلاثين ليلة فقد مات . وروي أن السامري قال لهم : إن موسى لن يرجع وإنه قد مات . وروي أنهم عدوا عشرين يوماً بلياليها فجعلوها أربعين ثم أحدثوا ما أحدثوا . وقال الكلبي ، أعجلتم عبادة العجل قبل أن يأتيكم أمر ربكم . وقال عطاء : أعجلتم سخط ربكم . وفي الكشاف : يقال عجل عن الأمر إذا تركه غير تام ونقيضه تم عليه وأعجله عنه غيره ويضمن معنى سبق فيعدى تعديته فيقال : عجلت الأمر ومعنى : أعجلتم عن أمر ربكم وهو انتظار موسى حافظين لعهده وما وصاكم به { وألقى الألواح } التي فيها التوراة لما لحقه من الدهش والضجر غضباً لله . عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال : «يرحم الله أخي موسى ما الخبر كالمعاينة » لقد أخبره الله تعالى بفتنة قومه فعرف أن ما أخبره به حق وأنه مع ذلك متمسك بما في يده . وروي أن التوراة كانت سبعة أسباع فلما ألقى الألواح تكسرت فرفع منها ستة أسباعها وبقي سبع واحد ، وكان فيما رفع تفصيل كل شيء وفيما بقي الهدى والرحمة . قال في التفسير الكبير : إلقاء الألواح ثابت بالقرآن ، فأما إلقاؤها بحيث تكسرت فلا وإنه جراءة عظيمة ومثله لا يليق بالأنبياء . وأقول : الجراءة تحصل بنفس الإلقاء لا بالتكسر الذي لا يتعلق باختياره فكل ما يجعل عذراً عن نفس الإلقاء يصح أن يجعل عذراً عن التكسر { وأخذ برأس أخيه } أي بشعر رأسه يجره إليه بذؤابته . واعلم أن موسى عليه السلام كان في نفسه حديداً شديد الغضب وكان هارون ألين منه جانباً ولذلك كان أحبّ إلى بني إسرائيل من موسى . وقد استتبع غضبه أمرين : أحدهما إلقاء الألواح والآخر أخذ رأس أخيه جار إليه ، فزعم مثبتو عصمة الأنبياء أنه جر برأس أخيه إلى نفسه ليسارّه ويستكشف منه كيفية الواقعة لا لأجل الإهانة والاستخفاف ، ثم إن هارون خاف أن يتوهم جهال بني إسرائيل أن موسى فعل ما فعل به إهانة { فقال يا ابن أم } من كسرها فعلى طرح ياء المتكلم ، ومن فتحها فتشبيهاً بخمسة عشر لكثرة الاستعمال أو على الألف المبدلة من ياء الإضافة . وإنما أضافه إلى الأم إشارة إلى أن أمهما واحدة على ما روي أنه كان أخاه لأمه ليكون أدعى إلى العطف والرقة لأنها كانت مؤمنة فافتخر . بنسبها ولأنها هي التي تحملت فيه الشدائد فذكره حقها { إن القوم استضعفوني } استذلوني وقهروني ولم يبالوا بي لقلة أنصاري { وكادوا يقتلونني } حين منعتهم عبادة العجل ونهيتهم عنها { فلا تشمت بي الأعداء } العابدي العجل فإنهم يحملون هذا لذي تفعل بي على الإهانة لا على الإكرام { ولا تجعلني مع القوم الظالمين } في اشتراك العقوبة والإذلال ، ولا تعتقد أني واحد منهم .

/خ154