{ إِلا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ } أي : فهذا الذي هو محل الخوف والوحشة بسبب ما أسدى من الظلم وما تقدم له من الجرم ، وأما المرسلون فما لهم وللوحشة والخوف ؟ ومع هذا من ظلم نفسه بمعاصي الله ، ثم تاب وأناب فبدل سيئاته حسنات ومعاصيه طاعات فإن الله غفور رحيم ، فلا ييأس أحد من رحمته ومغفرته فإنه يغفر الذنوب جميعا وهو أرحم بعباده من الوالدة بولدها .
وقوله : { إِلا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ } هذا استثناء منقطع ، وفيه بشارة عظيمة للبشر ، وذلك أن من كان على [ عمل ]{[21973]} شيء ثم أقلع عنه ، ورجع وأناب ، فإن الله يتوب عليه ، كما قال تعالى : { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى } [ طه : 82 ] ، وقال تعالى : { وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا } [ النساء : 110 ] والآيات في هذا كثيرة جدًا .
واختلف الناس في الاستثناء في قوله تعالى { إلا من ظلم } ، فقال مقاتل وغيره : الاستثناء متصل{[8990]} وهو من الأنبياء ، وروى الحسن أن الله تعالى قال لموسى : أخفتك بقتلك النفس ، وقال الحسن أيضاً : كانت الأنبياء تذنب فتعاقب ثم تذنب والله فتاقب فكيف بنا ، وقال ابن جريج : لا يخيف الله الأنبياء إلا بذنب يصيبه أحدهم فإن أصابه أخافه حتى يأخذه منه ، قال كثير من العلماء : لم يعر أحد من البشر من ذنب إلا ما روي عن يحيى بن زكرياء عليهما السلام{[8991]} .
قال القاضي أبو محمد : وأجمع العلماء أن الأنبياء عليهم السلام معصومون من الكبائر ومن الصغائر التي هي رذائل واختلف فيما عدا هذا ، فعسى أن يشير الحسن وابن جريج إلى ما عدا ذلك ، وفي الآية على هذا التأويل حذف اقتضى الإيجاز والفصاحة ترك نصه تقديره فمن ظلم { ثم بدل } ، وقال الفراء وجماعة : الاستثناء منقطع وهو إخبار عن غير الأنبياء كأنه قال : لكن من ظلم من الناس ثم تاب { فإني غفور رحيم } ، وقالت فرقة : { إلا } بمعنى الواو .
قال القاضي أبو محمد : وهذا قول لا وجه له{[8992]} ، وقرأ أبو جعفر بن القعقاع وزيد بن أسلم «ألا من ظلم » على الاستفتاح ، وقوله { ثم بدل حسناً } معناه عملاً صالحاً مقترناً بتوبة ، وهذه الآية تقتضي حتم المغفرة للتائب ، وأجمع الناس على ذلك في التوبة من الشرك ، وأهل السنة في التائب من المعاصي على أنه في المشيئة كالْمُصِرِّ ، لكن يغلب الرجاء على التائب والخوف على المصر ، وقوله تعالى : { ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء }{[8993]} [ النساء : 48 ] عمت الجميع من التائب والمصر ، وقالت المعتزلة :{ لمن يشاء } [ النساء : 48 ] معناه للتائبين .
قال القاضي أبو محمد : وذلك مردود من لفظ الآية لأن تفصيلها بين الشرك وغيره كان يذهب فائدته إذ الشرك يغفر للتائب وما دونه كذلك على تأويلهم فما فائدة التفصيل في الآية وهذا احتجاج لازم فتأمله ، وروي عن أبي عمرو أنه قرأ «حَسناً بعد سَوء » بفتح الحاء والسين وهي قراءة مجاهد وابن أبي ليلى ، وقرأ محمد بن عيسى الأصبهاني{[8994]} «حسنى » مثل فعلى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.