الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{إِلَّا مَن ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسۡنَۢا بَعۡدَ سُوٓءٖ فَإِنِّي غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (11)

ثم قال : { إلا من ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء }[ 11 ] ، أي من ظلم فعمل بغير ما أذن له من العمل به .

قال ابن جريج{[51828]} : لا يخاف الأنبياء إلا بذنب يصيبه أحدهم ، فإن أصابه أخافه الله حتى يأخذه منه .

وقال الحسن : في الآية إنما أخيف لقتله النفس ، وقال الحسن{[51829]} أيضا : كانت الأنبياء تذنب ، فتعاقب ثم تذنب والله فتعاقب{[51830]} .

وقوله : { إلا من ظلم{[51831]} }[ 11 ] ، استثناء{[51832]} منقطع عند البصريين ، لأن حق الاستثناء أن يكون ما بعده مخالفا لما قبله في المعنى .

وقوله : { إني لا يخاف لدي المرسلون }[ 10 ] ، يدل على أمنهم . وقوله : { إلا من ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء فإني غفور رحيم }[ 11 ] ، يدل على أمن{[51833]} من ظلم ، ثم فعل ذلك فقد حصل المعنى فيهما واحد ، فوجب أن يكون ليس من الأول و " إلا " بمعنى لكن ، والتقدير{[51834]} لكن{[51835]} من ظلم من المرسلين وغيرهم{[51836]} ثم تاب فليس يخاف{[51837]} ومثله من كلام العرب ما اشتكى إلا خيرا ، فالخير{[51838]} لا يشتكى .

وقوله : ما اشتكى يدل على أنه{[51839]} قد حل به الخير . وقوله : إلا خيرا قد صار مثل الأول في المعنى ، فوجب{[51840]} أن يكون منقطعا ، و " إلا " بمعنى لكن خيرا ، وكأنه{[51841]} قال : ما أذكر إلا خيرا .

وقال الفراء : الاستثناء من محذوف ، والتقدير عنده{[51842]} : { إني لا يخاف{[51843]} لدي المرسلون }[ 10 ] ، إنما يخاف غيرهم ، إلا من ظلم ثم تاب فإنه لا يخاف ، وأجاز{[51844]} الفراء أيضا أن تكون " إلا " بمعنى الواو ، ومثله عنده { لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا{[51845]} }{[51846]} أي والذين ، وقد رد عليه القولان ، لأن الاستثناء من محذوف لا يجوز ، إذ لا يعلم ما هو ، ولو جاز هذا ، لجاز : إني لأضرب القوم إلا زيدا . على معنى وأضرب غيرهم إلا زيدا . وهذا ضد البيان ، ونقض الكلام ، لا يجوز كون " إلا " بمعنى الواو . لأنه تقلب المعاني{[51847]} ، فيلزم إذا قلت له : عندي عشرة إلا أربعة أن تكون قد أقررت بأربعة عشر وهذا محال .

وقوله : { ثم بدل حسنا بعد سوء }[ 11 ] ، يريد التوبة . وقرأ مجاهد{[51848]} : { ثم بدل حسنا }[ 11 ] ، بالفتح على معنى عملا محسنا{[51849]} . { فإني غفور }{[51850]}[ 11 ] ، أي : ساتر لذنوبه . { رحيم }[ 11 ] ، به إن عاقبته{[51851]} .

وقوله : { ومن حولها }[ 8 ] وقف{[51852]} إن جعلت { وسبحان الله }[ 8 ] لم ينادي به موسى ، وإنما هو من قوله : { لما خاف . فإن{[51853]} جعلت { وسبحان الله }[ 8 ] من النداء ، كان الوقف{[51854]} " {[51855]} { رب العالمين } { وألق عصاك }[ 10 ] وقف{[51856]}{ ولم يعقب }[ 8 ] وقف{[51857]} و{ لا تخف }[ 10 ] وقف{[51858]} . { المرسلون }[ 10 ] وقف{[51859]} ، إن جعلت { إلا من ظلم }[ 11 ] منقطعا ، فإن{[51860]} جعلته مستثنى على معنى : إن المرسلين لا يخافون إلا أن يذنبوا فيخافون العقوبة ، كما قال الحسن وغيره{[51861]} . لم تقف إلا على { سوء }[ 11 ] ، والتمام { رحيم }[ 11 ]{[51862]} .


[51828]:ابن جرير: 19/136.
[51829]:انظر المصدر السابق.
[51830]:ز: يتعاقب.
[51831]:بعده في ز: ثم بدل حسنا بعد سوء إلا من ظلم.
[51832]:انظر: إملاء ما من به الرحمن ص468، والمشكل 2/532.
[51833]:ز: "أمن" سقطت من ز.
[51834]:ز: والقدير.
[51835]:"لكن" سقطت من ز.
[51836]:ز: من غيرهم.
[51837]:ز: يحاسب.
[51838]:ز: "والخير".
[51839]:ز: أن.
[51840]:ز: يوجب.
[51841]:من "وكأنه...محذوف" سقطت من ز.
[51842]:ز: عندهم.
[51843]:ز: "أي لا تخاف".
[51844]:انظر: معاني الفراء 2/287.
[51845]:بعده في ز: "منهم".
[51846]:البقرة: 150.
[51847]:ز: "لا تقلب المعنى".
[51848]:قرأ به كذلك ابن أبي ليلى، والأعمش، وأبو عمرو. انظر: شواذ القرآن ص110.
[51849]:ز: حسنا.
[51850]:ز: بعدها "رحيم".
[51851]:ز: أعاقب.
[51852]:انظر: المكتفى ص425.
[51853]:ز: وإن.
[51854]:انظر المكتفى ص425.
[51855]:بعدها في ز: "على".
[51856]:انظر: المكتفى ص425.
[51857]:انظر المصدر السابق.
[51858]:انظر المصدر السابق.
[51859]:انظر: المكتفى ص426.
[51860]:ز: وإن.
[51861]:ز: وغير.
[51862]:بعده في ز: تم الجزء بحمد الله وعونه وقوته.