نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{إِلَّا مَن ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسۡنَۢا بَعۡدَ سُوٓءٖ فَإِنِّي غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (11)

ولما دل أول الكلام وآخره على أن التقدير ما ذكرته ، وعلم منه أن من ظلم خاف ، وكان المرسلون بل الأنبياء معصومين عن صدور ظلم ، ولكنهم لعلو مقامهم ، وعظيم شأنهم ، يعد عليهم خلاف الأولى ، بل بعض المباحات المستوية ، بل أخص من ذلك ، كما قالوا " حسنات الأبرار سيئات المقربين " ، استدرك سبحانه من ذلك بأداة الاستثناء ما يرغب المرهبين من عواقب الظلم آخر تلك في التوبة ، وينبه موسى عليه السلام على غفران وكزة القبطي له ، وأنه لا خوف عليه بسببه وإن كان قتله مباحاً لكونه خطأ مع أنه كافر ، لكن علو المقام يوجب التوقف عن الإقدام إلا بإذن خاص ، ولذلك سماه هو ظلماً فقال { رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي } وهو من التعريضات التي يلطف مأخذها فقال : { إلا } أو المعنى : لكن { من ظلم } كائناً من كان ، بفعل سوء { ثم بدل } بتوبته { حسناً بعد سوء } وهو الظلم الذي كان عمله ، أي جعل الحسن بدل السوء كالسحرة الذين آمنوا بعد ذلك بموسى عليه الصلاة والسلام فإني أغفره له بحيث يكون كأنه لم يعمله أصلاً ، وأرحمه بما أسبغ عليه من ملابس الكرامة المقارنة للأمن والعز وإن أصابه قبل ذلك نوع خوف . ثم علل ذلك بأن المغفرة والرحمة صفتان له ثابتتان ، فقال : { فإني } أي أرحمه بسبب أني { غفور } أي من شأني أني أمحو الذنوب محواً يزيل جميع آثارها { رحيم* } أعامل التائب منها معاملة الراحم البليغ الرحمة بما يقتضيه حاله من الكرامة ، فأزيل أثر ما كان وقع فيه من موجب الخوف وهو الظلم .