{ وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ } تتحرّك { كَأَنَّهَا جَآنٌّ } وهي الحيّة الخفيفة الصغيرة الجسم ، وقال الكلبي : لا صغيرة ولا كبيرة .
فإن قيل : كيف قال في موضع { كَأَنَّهَا جَآنٌّ } وفي موضع آخر { فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ } والموصوف واحد ؟
أحدهما : أنّها في أوّل أمرها جانّ وفي آخر الأمر ثعبان ، وذلك أنّها كانت تصير حية على قدر العصا ثم لا تزال تنتفخ وتربو حتى تصير كالثعبان العظيم .
والآخر : أنّها في سرعة الجانّ وخفّته وفي صورة الثعبان وقوّته .
فلمّا رآها موسى ( عليه السلام ) { وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ } ولم يرجع ، قال قتادة : ولم يلتفت .
فقال الله سبحانه { يمُوسَى لاَ تَخَفْ إِنِّي لاَ يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ * إِلاَّ مَن ظَلَمَ } فعمل بغير ما أمر { ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً } قراءة العامة بضم الحاء وجزم السين ، وقرأ الأعمش بفتح الحاء والسين { بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ } .
واختلف العلماء في حكم هذا الاستثناء ومعنى الآية ، فقال الحسن وابن جريج : قال الله سبحانه ( يا موسى إنّما أخفتك لقتلك ) .
قال الحسن : وكانت الأنبياء تذنب فتعاقب ، ثم تذنب والله فتعاقب .
قال ابن جريج : فمعنى الآية : لا يخيف الله سبحانه الأنبياء بذنب يصيبه أحدهم ، فإن أصابه أخافه حتى يتوب ، فقوله { إِلاَّ } على هذا التأويل استثناء صحيح ، وتناهى الخبر عن الرسل عند قوله { إِلاَّ مَن ظَلَمَ } ثم ابتدأ الخبر عن حال من ظلم من الرسل وغيرهم من الناس ، وفي الآية استغنى عنه بدلالة الكلام عليه تقديرها ( فمن ظلم ثمّ بدّل حسناً بعد سوء فإنّي غفور رحيم )
وقال الفرّاء : يقول القائل : كيف صيّر خائفاً من ظلم ثم بدّل حُسناً بعد سوء وهو مغفور له ؟
أحدهما : أن تقول أنّ الرسل معصومة ، مغفور لها ، آمنة يوم القيامة ، ومن خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً من سائر الناس فهو يخاف ويرجو ، فهذا وجه .
والآخر : أن يجعل الاستثناء من الذين تركوا في الكلمة لأنّ المعنى { لاَ يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ } إنما الخوف على غيرهم .
ثمَّ استثنى فقال عزَّ من قائل : { إِلاَّ مَن ظَلَمَ } يقول : كان مشركاً فتاب من الشرك وعمل حسنةً مغفور له وليس بخائف .
قال : وقد قال بعض النحوييّن : { إِلاَّ } ههنا بمعنى الواو يعني : ولا من ظلم منهم كقوله سبحانه ( لئلاّ يكون للناس عليهم حجّة إلاّ الذين ظلموا منهم ) .
وقال بعضهم : قوله { إِلاَّ } ليس باستثناء من المرسلين لأنّه لا يجوز عليهم الظلم وإنّما معنى الآية : لكن من ظلم فعليه الخوف فإذا تاب أزال الله سبحانه وتعالى عنه الخوف .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.