{ وَمِنْ آيَاتِهِ } الدالة على رحمته وعنايته بعباده وحكمته العظيمة وعلمه المحيط ، { أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا } تناسبكم وتناسبونهن وتشاكلكم وتشاكلونهن { لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً } بما رتب على الزواج من الأسباب الجالبة للمودة والرحمة .
فحصل بالزوجة الاستمتاع واللذة والمنفعة بوجود الأولاد وتربيتهم ، والسكون إليها ، فلا تجد بين أحد في الغالب مثل ما بين الزوجين من المودة والرحمة ، { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } يُعملون أفكارهم ويتدبرون آيات اللّه وينتقلون من شيء إلى شيء .
ومن مجال الخلقة الأولى لنوع البشر ينتقل إلى مجال الحياة المشتركة بين جنسي البشر :
( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها ، وجعل بينكم مودة ورحمة . إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ) . .
والناس يعرفون مشاعرهم تجاه الجنس الأخر ، وتشغل أعصابهم ومشاعرهم تلك الصلة بين الجنسين ؛ وتدفع خطاهم وتحرك نشاطهم تلك المشاعر المختلفة الأنماط والاتجاهات بين الرجل والمرأة . ولكنهم قلما يتذكرون يد الله التي خلقت لهم من أنفسهم أزواجا ، وأودعت نفوسهم هذه العواطف والمشاعر ، وجعلت في تلك الصلة سكنا للنفس والعصب ، وراحة للجسم والقلب ، واستقرارا للحياة والمعاش ، وأنسا للأرواح والضمائر ، واطمئنانا للرجل والمرأة على السواء .
والتعبير القرآني اللطيف الرفيق يصور هذه العلاقة تصويرا موحيا ، وكأنما يلتقط الصورة من أعماق القلب وأغوار الحس : ( لتسكنوا إليها ) . . ( وجعل بينكم مودة ورحمة ) . .
( إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ) . . فيدركون حكمة الخالق في خلق كل من الجنسين علي نحو يجعله موافقا للآخر . ملبيا لحاجته الفطرية : نفسية وعقلية وجسدية . بحيث يجد عنده الراحة والطمأنينة والاستقرار ؛ ويجدان في اجتماعهما السكن والاكتفاء ، والمودة والرحمة ، لأن تركيبهما النفسي والعصبي والعضوي ملحوظ فيه تلبية رغائب كل منهما في الآخر ، وائتلافهما وامتزاجهما في النهاية لإنشاء حياة جديدة تتمثل في جيل جديد . .
وقوله : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا } أي : خلق لكم من جنسكم إناثا يَكُنَّ لكم أزواجا ، { لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا } ، كما قال تعالى : { هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا } [ الأعراف : 189 ] يعني بذلك : حواء ، خلقها الله من آدم من ضِلَعه الأقصر الأيسر . ولو أنه جعل بني آدم كلهم ذكورا وجعل إناثهم من جنس آخر [ من غيرهم ]{[22797]} إما من جان أو حيوان ، لما حصل هذا الائتلاف بينهم وبين الأزواج ، بل كانت تحصل نَفْرَة لو كانت الأزواج من غير الجنس . ثم من تمام رحمته ببني آدم أن جعل أزواجهم من جنسهم ، وجعل بينهم وبينهن مودة : وهي المحبة ، ورحمة : وهي الرأفة ، فإن الرجل{[22798]} يمسك المرأة إما لمحبته لها ، أو لرحمة بها ، بأن يكون لها منه ولد ، أو محتاجة إليه في الإنفاق ، أو للألفة بينهما ، وغير ذلك ، { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لّتَسْكُنُوَاْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مّوَدّةً وَرَحْمَةً إِنّ فِي ذَلِكَ لاَيَاتٍ لّقَوْمٍ يَتَفَكّرُونَ } .
يقول تعالى ذكره : ومن حججه وأدلته على ذلك أيضا خلقه لأبيكم آدم من نفسه زوجة ليسكن إليها ، وذلك أنه خلق حوّاء من ضلع من أضلاع آدم . كما :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة وَمِنْ آياتِهِ أنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أنْفُسِكُمْ أزْوَاجا خلقها لكم من ضلع من أضلاعه .
وقوله : وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدّةً وَرَحْمَةً يقول : جعل بينكم بالمصاهرة والختونة مودّة تتوادّون بها ، وتتواصلون من أجلها ، ورحمة رحمكم بها ، فعطف بعضكم بذلك على بعض إنّ فِي ذلكَ لاَياتٍ لقَوْمٍ يَتَفَكّرُونَ يقول تعالى ذكره : إن في فعله ذلك لعبرا وعظات لقوم يتذكرون في حجج الله وأدلته ، فيعلمون أنه الإله الذي لا يُعجزه شيء أراده ، ولا يتعذّر عليه فعل شيء شاءه .
وقوله { من أنفسكم } يحتمل أن يريد خلقه حواء من ضلع آدم فحمل ذلك على جميع النساء من حيث أمهم مخلوقة من نفس آدم ، أي من ذات شخصه ، ويحتمل أن يريد من نوعكم ومن جنسكم ، و «المودة والرحمة » على بابها المشهور من التواد والتراحم ، هذا هو البليغ ، وقال مجاهد والحسن وعكرمة : عنى ب «المودة » الجماع وب «الرحمة » الولد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.