نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦٓ أَنۡ خَلَقَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَٰجٗا لِّتَسۡكُنُوٓاْ إِلَيۡهَا وَجَعَلَ بَيۡنَكُم مَّوَدَّةٗ وَرَحۡمَةًۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ} (21)

ولما كان أعجب من ذلك أن هذا الذي خلقه من التراب{[52827]} ذكراً خلق منه أنثى ، وجعلهما شبهي السماء والأرض ماء ونبتاً وطهارة وفضلاً ، قال : { ومن آياته } أي على ذلك ؛ ولما كان إيجاد الأنثى من الذكر خاص لم يكن إلا مرة واحدة كالخلق من التراب ، عبر بالماضي فقال : { أن خلق لكم } أي لأجلكم ليبقى نوعكم بالتوالد ، وفي تقديم الجار دلالة على حرمة التزوج{[52828]} من غير النوع ، والتعبير بالنفس{[52829]} أظهر في كونها من بدن الرجل في قوله : { من أنفسكم } أي جنسكم بعد إيجادها من ذات أبيكم آدم عليه السلام { أزواجاً } {[52830]}إناثاً هن{[52831]} شفع لكم { لتسكنوا } مائلين { إليها } بالشهوة والألفة ، من قولهم : سكن إليه - إذا مال وانقطع واطمأن إليه ، ولم يجعلها من غير جنسكم لئلا تنفروا منها .

ولما كان المقصود بالسكن لا ينتظم إلا بدوام{[52832]} الألفة قال{[52833]} : { وجعل } أي صير{[52834]} بسبب الخلق على هذه الصفة { بينكم مودة } أي معنى من المعاني يوجب أن لا يحب واحد{[52835]} من الزوجين أن يصل إلى صاحبه شيء يكرهه{[52836]} مع ما طبع عليه الإنسان من محبة الأذى ، وإنما{[52837]} كان هذا معناه لأن مادة " ودد " مستوياً{[52838]} ومقلوباً تدور على الاتساع والخلو من {[52839]}الدو والدوية{[52840]} بتشديد الواو وهي الفلاة ، والود والوداد قال في القاموس : الحب{[52841]} ، وقال أبو عبد الله القزاز ونقله عنه الإمام عبد الحق في واعيه : الأمنية ، تقول{[52842]} وددت أن ذاك كان ، وذاك لاتساع مذاهب الأماني ، وتشعب أودية الحب ، وفي القاموس{[52843]} : ودان : قرية قرب الأبواء وجبل طويل قرب فيد ، والمودة : الكتاب - لاتساع الكلام فيه . وقال الإمام أبو الحسن الحرالي في شرح الأسماء الحسنى : الود خلو عن{[52844]} إرادة المكروه ، فإذا حصل إرادة الخير وإيثاره كان حباً ، من لم يرد سواه فقد {[52845]}ود و{[52846]} من أراد خيراً فقد أحب ، والود أول التخلص من داء أثر الدنيا بما يتولد لطلابها من{[52847]} الازدحام عليها من الغل والشحناء ، وذلك ظهور لما يتهياً له من طيب الحب ، فمن ود لا يقاطع ، ومن أحب واصل وآثر ، والودود هو المبرأ من جميع جهات مداخل السوء ظاهره {[52848]}وباطنه{[52849]} .

ولما كان هذا المعنى الحسن لا يتم إلا بإرادة الخير قال : { ورحمة } أي معنى{[52850]} يحمل كلاًّ على أن يجتهد للآخر{[52851]} في جلب الخير ، ودفع الضير ، لكن لما{[52852]} كانت إرادة الخير قد تكون بالمن ببعض ما يكره جمع بين الوصفين ، وهما من الله ، والفرك - وهو البغض - من الشيطان .

ولما كان ذلك من العظمة بمكان يجل{[52853]} عن الوصف ، أشار إليه بقوله مؤكداً لمعاملتهم له بالإعراض عما يهدي إليه معاملة من يدعي أنه جعل{[52854]} سدى من غير حكمة ، مقدماً الجار إشارة إلى أن دلالته في العظم بحيث تتلاشى عندها كل آية ، وكذا غيره مما كان هكذا على نحو

( وما نريهم من آية إلا وهي أكبر من أختها }[ الزخرف : 48 ] : { إن في ذلك } أي الذي تقدم من خلق الأزواج{[52855]} على الحال المذكور وما يتبعه من المنافع { لآيات } أي دلالات واضحات على قدرة فاعله وحكمته .

ولما كان هذا المعنى مع كونه{[52856]} دقيقاً يدرك بالتأمل{[52857]} قال : { لقوم } أي{[52858]} رجال أو في حكمهم ، لهم قوة وجد ونشاط في القيام بما يجعل إليهم{[52859]} { يتفكرون* } أي يستعملون أفكارهم على القوانين{[52860]} المحررة ويجتهدون في ذلك .


[52827]:من ظ ومد، وفي الأصل: تراب.
[52828]:من ظ ومد، وفي الأصل: الزوج.
[52829]:في ظ: بالتنوين.
[52830]:من ظ ومد، وفي الأصل: إنامنهن.
[52831]:من ظ ومد، وفي الأصل: إنامنهن.
[52832]:في ظ: به دام.
[52833]:زيد من ظ ومد.
[52834]:من ظ ومد، وفي الأصل: يصير.
[52835]:في ظ: واحدا.
[52836]:من ظ ومد، وفي الأصل: يكره.
[52837]:من ظ ومد، وفي الأصل: لما.
[52838]:من ظ ومد، وفي الأصل: مستوليا.
[52839]:من ظ ومد، وفي الأصل: الدود والدودية.
[52840]:من ظ ومد، وفي الأصل: الدود والدودية.
[52841]:زيد من ظ ومد.
[52842]:من ظ ومد، وفي الأصل: بقوله.
[52843]:زيد من ظ ومد.
[52844]:زيد من ظ ومد.
[52845]:من ظ ومد، وفي الأصل: وردان.
[52846]:من ظ ومد، وفي الأصل: وردان.
[52847]:في ظ ومد: في.
[52848]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[52849]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[52850]:زيد من ظ ومد.
[52851]:سقط من ظ.
[52852]:زيد من ظ ومد.
[52853]:من ظ ومد، وفي الأصل: يحيل.
[52854]:في ظ: جعله.
[52855]:سقط من ظ.
[52856]:زيد من ظ ومد.
[52857]:زيد من ظ ومد.
[52858]:زيد في الأصل: ما، ولم تكن الزيادة في ظ ومد فحذفناها.
[52859]:من ظ ومد، وفي الأصل: لهم.
[52860]:من ظ ومد، وفي الأصل: القولين.