التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦٓ أَنۡ خَلَقَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَٰجٗا لِّتَسۡكُنُوٓاْ إِلَيۡهَا وَجَعَلَ بَيۡنَكُم مَّوَدَّةٗ وَرَحۡمَةًۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ} (21)

تعليق على آية

{ ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا

إليها وجعل بينكم مودة ورحمة }

واستطراد إلى ما قرره القرآن من مساواة

بين الرجل والمرأة ومركز الزوجة

والآية الثانية رائعة المدى والتلقين المستمر . فالله عز وجل إنما جعل لكل نفس زوجا منها ليسهل سكن كل منهما لزوجه في نطاق المودة والرحمة اللتين شاء الله تعالى أن يجعلهما بين الزوجين ، فمن واجب الإنسان ومن باب أولى من واجب المسلم ذكرا كان أم أنثى أن ينظر إلى الرابطة الزوجية على هذا الاعتبار وأن يبذل جهده في عدم الحيدان عنه . وفي هذا إلى ذلك ما فيه من إعارة القرآن عناية كبرى لهذه الرابطة . وقد يلمح في الآية وعلى ضوء آية سورة الأنعام هذه { وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع } [ 98 ] تقرير لمبدأ تساوي الرجل والمرأة في الحياة الزوجية وأعبائها وفي القابلية العقلية والاجتماعية . فالله قد خلقهما من نفس واحدة . وجعل كل منهما زوجا للآخر لا يكمل الواحد منهما إلا بالآخر ولا يستطيع الواحد منهما أن يقوم بواجباته المتنوعة إلا بمساعدة الآخر والتعاون معه وتلك هي حكمة إلهام التقاء الزوجين برابطة الزواج . ولا يمكن أن يتم هذا إلا في نطاق تبادل المودة والرحمة الذي لا يمكن أن يكون إلا بالتراضي والتفاهم ، ونتيجة لاعتراف كل منهما بذاتية الآخر وبواجبه وبحقه معا . وهذا يعني التكافؤ والتساوي . وكل ما هناك أن الله قد جعل لكل منهما وظيفة جنسية يكون كل منهما بها متمما للآخر ، وجعل لكل منهما بسبب ذلك مجالا ينشط فيه لخيرهما ومصلحتهما معا . ولقد ذكرنا في سياق تفسير سورة الليل استنادا إلى الآية { وما خلق الذكر والأنثى } أن القرآن قرر مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في التكليف وفي نتائج سعي كل منهما حسب السعي وهكذا تتوطد في القرآن المساواة بين الرجل والمرأة في القابليات والمسؤوليات الدنيوية والدينية والأخروية . ولقد تكرر تقرير هذا كثيرا بأساليب متنوعة وفي السور المكية والمدنية معا ومرت أمثلة منه في السور التي مر تفسيرها بحيث يصح القول إنه من مبادئ القرآن المحكمة . وما ورد في بعض الآيات المدنية من تفضيل الزوج درجة كما جاء في آية سورة البقرة [ 228 ] : { ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة } ومن جعل شهادة المرأتين معادلة لشهادة رجل واحد كما جاء في آية سورة البقرة [ 282 ] : { واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى } ومن قوامة الرجال على النساء كما جاء في آية سورة النساء [ 34 ] { الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم } ومن كون نصيب المرأة في الإرث نصف نصيب الرجل كما جاء في آيات المواريث في سورة النساء فليس من شأنه نقض هذا المبدأ على ما سوف نشرحه في مناسباته . والمؤولون والمفسرون والفقهاء متفقون على أن كل تكليف كلف به المؤمنون ، وكل واجب أوجب عليهم وكل وعد ووعيد وجّه إليهم ، وكل فضيلة نوه فيها بهم وكل نهي نهوا عنه في القرآن ، وحديث دون تخصيص جنسي هو موجه للمؤمنات أيضا دون تفاوت ما . والخطاب العام الموجه إلى المؤمنين والذي يشمل المؤمنات في كل ذلك في القرآن والحديث هو الأعم الأغلب . ولا يمكن أن يصح في العقل إلا مع فرض الأهلية التامة للمرأة عقليا وجبلة وأخلاقا وروحيا .

ويورد حديث رواه الطبراني عن الأسقع بن واثلة جاء فيه : ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليس لامرأة أن تنتهك من مالها شيئا إلا بإذن زوجها إذا ملك عصمتها ){[1616]} . وهذا الحديث لم يرد في كتب الأحاديث الصحيحة ، وقد قال الطبراني : إن بين رواته من لا يعرفهم مما يوجب التوقف فيه ، ولا سيما إنه يتعارض مع النصوص القرآنية التي تأمر بإعطاء المرأة حقها وعدم أخذ شيء منها بدون إذنها وتقرر حقها المطلق في الوصية والدين والاكتساب وقبض الإرث والهبة والتملك الخ .

وهناك حديث أقوى سندا واعتبارا من هذا الحديث رواه أصحاب السنن وجاء فيه : ( قيل : يا رسول الله أي النساء خير ؟ قال : الذي تسره إذا نظر وتطيعه إذا أمر ولا تخالفه في نفسها ولا مالها بما يكره ) . ولسنا نرى في هذا الحديث ما ينتقص ما تقدم أيضا . وكل ما فيه أن على المرأة ألا تفعل في مالها ما يكره زوجها . وليس فيه ما يسمح له بمنعها من التصرف بمالها مبدئيا ، وبإناطة ذلك بإذنه . وبالنسبة لطاعته في ما يأمر فلا شك في أن الطاعة يجب أن تكون منوطة بما ليس فيه معصية ولا ضرر عليها وعلى مالها وحقوقها على ضوء بعض الآيات والأحاديث . ففي سورة الممتحنة أنه شرطت عدم عصيان المؤمنات للنبي فيما يأمرهن ، من معروف أي ما فيه خير ومصلحة ، وليس فيه ضرر وهدر حق شرعي كما ترى فيها : { يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف فبايعهن واستغفر لهن الله . . . } [ الممتحنة 12 ] وقد أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يأخذ من الرجال بيعة بهذا النص مع استعمال الضمير المذكر . وهناك حديث رواه الخمسة عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( السمع والطاعة على المرء فيما أحب أو كره ما لم يؤمر بمعصية فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة ) {[1617]} .

وتورد أحاديث أخرى بسبيل التدليل على سفاهة المرأة ونقص عقلها ودينها وعوج طبيعتها . منها حديث أخرجه ابن أبي حاتم عن أبي أمامة قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن النساء سفهاء إلا التي أطاعت زوجها ){[1618]} . وحديث عزاه ابن كثير إلى مسلم عن أبي هريرة قال : ( قال رسول الله : يا معشر النساء تصدقن وأكثرن من الاستغفار فإني رأيتكن أكثر أهل النار . فقالت امرأة منهن جزلة : وما لنا يا رسول الله أكثر أهل النار ؟ قال : تكثرن اللعن ، وتكفرن العشير ، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لبّ منكن . قالت : يا رسول الله ما نقصان العقل والدين ؟ قال : أما نقصان عقلها فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل . هذان نقصان العقل ، وتمكث الليالي لا تصلي وتفطر في رمضان فهذا نقصان الدين ) {[1619]} . وحديث رواه الشيخان والترمذي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره ، واستوصوا بالنساء خيرا فإنهن خلقن من ضلع أعوج وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه فإن ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته لم يزل أعوج ، فاستوصوا بالنساء خيرا . وفي رواية إن المرأة خلقت من ضلع لن تستقيم لك على طريقة فإن استمتعت بها استمتعت بها وبها عوج ، وإن ذهبت تقيمها كسرتها وكسرها طلاقها ) {[1620]} .

وتعليقا على ذلك نقول : إن القرآن قرر أهلية المرأة بكل تكليف إيماني واجتماعي وتعبدي ومالي وجهادي وأخلاقي كالرجل بدون أي تمييز ، ورتب عليها كل ما رتبه على الرجل تتجه لكل عمل تقوم به من ذلك ثوابا وعقابا وحدودا في الدنيا والآخرة بدون أي تمييز ، وعيّن لها نصيبا في الإرث وأمر بأدائه لها وأوجب لها أداء مهرها ، وقرر لها الحق المطلق في التصرف في كل ما يدخل في يدها من مال مهما كان عظيما ، دون أي تدخل أو إشراف أو إذن من الرجل مهما كانت صلته بها فتبيع وتشتري وتملك العقار والأرقاء والأرضين وتزرع وتحصد وتستدين وتدين وتهب وتوصي وتعتق وتكاتب وتؤجر وتستأجر ، وجعل أمر نفسها بيدها إلا إذا كانت قاصرة فتزوج نفسها بدءا ومراجعة ، وتفتدي نفسها من زوجها وتصالحه وتجادل عن نفسها رسول الله ومن دونه ، وأوجب عليها كل ما أوجبه على الرجل من التفكير في آلاء الله والتدبر في كتاب الله والتعلم والتعليم ، وقرر أن المؤمنين والمؤمنات بعضهم أولياء بعض وبعضهم من بعض ونوّه بالمؤمنات الصابرات الصادقات القانتات الخاشعات الصائمات المتصدقات الحافظات لحدود الله والذاكرات الله كثيرا على قدم المساواة مع أمثالهن من الرجال ، واعترف بشخصيتهن في نطاق الدولة مستقلة عن الرجل وأمر النبي بأخذ البيعة منهن الخ الخ {[1621]} . . . ولا يصح هذا إلا مع فرض الأهلية التامة للمرأة عقلا وأخلاقا وقابلية ومواهب وجبلة . والحديث الذي يذكر أنهن من السفهاء ليس من الصحاح ويتحمل التوقف إزاء ما قرره القرآن من كل ذلك . وحتى لو صح فإنه يستثنى من يطعن أزواجهن وهن عادة الأكثرية الساحقة من النساء ، وقد يكون من الحكمة فيه إذا صح حثّ النساء على الطاعة وبيان كون نشوزهن هو من قبيل السفه وقصور العقل . والحديث الذي يذكر أن المرأة خلقت من ضلع أعوج قد صدر بسبيل توصية الرجال بالنساء خيرا ورعايتهن والإغضاء عما قد يقع منهن من هنات ، والأسلوب الذي جاء به متسق مع ما كان في الأذهان من مركز المرأة . وليس فيه على كل حال نقض لما احتوته النصوص والتلقينات القرآنية من تقرير أهلية المرأة لجميع الواجبات والتكاليف والحقوق المتنوعة أسوة بالرجل سواء بسواء .

أما الحديث الذي يذكر نقص عقل المرأة ودينها فإن إيماننا بحكمة الله ورسوله يأبى التسليم بناء على تلك النصوص والتلقينات بصدوره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقصد وصف جميع النساء على اختلاف أوضاعهن بنقص الدين والعقل وبقصد تقرير كونهن أكثر أهل النار . وهن بالإضافة إلى تلك النصوص والتلقينات التي احتوت ما احتوته النصف الثاني الذي لا تتم الإنسانية إلا به وأمهات النصف الأول ومنشئاته وراعياته ومربياته . وهن نصف أمة محمد التي وعدها الله بالجنة وقرة العين . ويأتي التسليم بأن رسول الله قد قصد تقرير كونهن أهل أكثر النار واقعا ؛ لأنهن يكثرن اللعن ويكفرن العشير ، وهو يعلم من دون ريب أن هذا لا يكون عادة إلا من أغلبية النساء وأن أكثريتهن مؤمنات لهن الجنة حتما ، وقد وعدن بذلك مثل الرجال وبنصوص خاصة {[1622]} بالإضافة إلى النصوص العامة . ويأبى التسليم بأن الله ورسوله يعتبران فطر الحائض وعدم صلاتها دليلا على نقص دين النساء مع أن ذلك بترخيص منهما . وقد رخصا للمؤمن بكلمة الكفر عند الإكراه [ آية النحل : 106 ] ورخصا بأكل المحرمات حين الاضطرار [ آية النحل 115 ] ورخصا للمريض والمسافر بالإفطار وبالتيمم إذا لم يجدا ماء [ آية النساء : 43 ] ويأبى التسليم بأن يتجاوز الله ورسوله التحليل الوارد في آية الدين في سورة البقرة لجعل شهادة المرأتين معادلة لشهادة رجل واحد : { أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى } [ البقرة : 282 ] والذي مرده مشاغل المرأة البيتية دليلا على نقص عقل النساء ، وفي حين يعلم الله ورسوله أن النسيان من حيث المبدأ عارض بشري يعرض للرجال والنساء معا ، وكل ما يمكن التسليم به إذا صح الحديث أن يكون قصد به الوعظ والتحذير . و الله أعلم .


[1616]:مجمع الزوائد ج 4.
[1617]:التاج ج 3 ص 30.
[1618]:تفسير الآية الخامسة من سورة النساء في ابن كثير.
[1619]:انظر تفسير الآية [ 282] من سورة البقرة في تفسير ابن كثير. وهذا الحديث ورد في التاج أيضا برواية الخمسة وفي آخر الحديث من رواية البخاري هذه الجملة بدلا من الجملة الأخيرة (أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟ قلن: بلى. قال: فذلك من نقصان دينها) انظر التاج ج 1 ص 25.
[1620]:التاج ج 2 ص 287-288.
[1621]:الآيات التي تقرر ذلك مدنية وهي كثيرة فنكتفي بالإشارة إلى أرقامها وسنشرحها في مناسباتها: البقرة [ 219-247] وآل عمران [ 191-195] والنساء [ 4 و 7 و 12 و 19 و 21 و 24 و 124] والمائدة [ 38] والتوبة [ 67و 68 و 71 و 72 ] والنور [ 2 و 27- 32و 61] والأحزاب [ 35و 73] والفتح [ 5 و 6 ] والمجادلة [ 1-2 ] والممتحنة [ 10 و 12] والطلاق [ 1-5 ].
[1622]:اقرأ مثلا آيات آل عمران [ 195] والتوبة [ 71-72] والنحل [ 97] والأحزاب [ 35] وغافر [ 40].