المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَلُوطًا إِذۡ قَالَ لِقَوۡمِهِۦٓ أَتَأۡتُونَ ٱلۡفَٰحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنۡ أَحَدٖ مِّنَ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (80)

80- ولقد أرسلنا لوطاً - نبي الله - إلى قومه ، يدعوهم إلى التوحيد ، وينبههم إلى وجوب التخلى عن أقبح جريمة يفعلونها . أتأتون الأمر الذي يتجاوز الحد في القبح والخروج على الفطرة وقد ابتدعتم تلك الفاحشة بشذوذكم ، فلم يسبقكم بها أحد من الناس ؟

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلُوطًا إِذۡ قَالَ لِقَوۡمِهِۦٓ أَتَأۡتُونَ ٱلۡفَٰحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنۡ أَحَدٖ مِّنَ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (80)

{ 80 - 84 } { وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ } إلى آخر القصة{[317]} .

أي : { و ْ } اذكر عبدنا { لُوطًا ْ } عليه الصلاة والسلام ، إذ أرسلناه إلى قومه يأمرهم بعبادة اللّه وحده ، وينهاهم عن الفاحشة التي ما سبقهم بها أحد من العالمين ، فقال : { أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ ْ } أي : الخصلة التي بلغت - في العظم والشناعة - إلى أن استغرقت أنواع الفحش ، { مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ ْ } فكونها فاحشة من أشنع الأشياء ، وكونهم ابتدعوها وابتكروها ، وسنوها لمن بعدهم ، من أشنع ما يكون أيضا .


[317]:- في ب: أورد الآيات كاملة.
 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلُوطًا إِذۡ قَالَ لِقَوۡمِهِۦٓ أَتَأۡتُونَ ٱلۡفَٰحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنۡ أَحَدٖ مِّنَ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (80)

59

وتمضي عجلة التاريخ ، فيظلنا عهد إبراهيم - عليه السلام - ولكن السياق لا يتعرض هنا لقصة إبراهيم . ذلك أن السياق يتحرى مصارع المكذبين ؛ متناسقاً مع ما جاء في أول السورة : ( وكم من قرية أهلكناها ، فجاءها بأسنا بياتاً أو هم قائلون ) . . وهذا القصص إنما هو تفصيل لهذا الإجمال في إهلاك القرى التي كذبت بالنذير . . وقوم إبراهيم لم يهلكوا لأن إبراهيم - عليه السلام - لم يطلب من ربه هلاكهم . بل اعتزلهم وما يدعون من دون الله . . إنما تجيء هنا قصة قوم لوط - ابن أخي إبراهيم - ومعاصره ، بما فيها من إنذار وتكذيب وإهلاك . يتمشى مع ظلال السياق ، على طريقة القرآن :

( ولوطا إذ قال لقومه : أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين ؟ إنكم لتأتون الرجال - شهوة - من دون النساء . بل أنتم قوم مسرفون . وما كان جواب قومه إلا أن قالوا : أخرجوهم من قريتكم ، إنهمأناس يتطهرون . فأنجيناه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين . وأمطرنا عليهم مطراً ، فانظر كيف كان عاقبة المجرمين )

وتكشف لنا قصة قوم لوط عن لون خاص من انحراف الفطرة ؛ وعن قضية أخرى غير قضية الألوهية والتوحيد التي كانت مدار القصص السابق . ولكنها في الواقع ليست بعيدة عن قضية الألوهية والتوحيد . . إن الإعتقاد في الله الواحد يقود إلى الإسلام لسننه وشرعه . وقد شاءت سنة الله أن يخلق البشر ذكراً وأنثى ، وأن يجعلهما شقين للنفس الواحدة تتكامل بهما ، وأن يتم الامتداد في هذا الجنس عن طريق النسل ؛ وأن يكون النسل من التقاء ذكر وأنثى . . ومن ثم ركبهما وفق هذه السنة صالحين للالتقاء ، صالحين للنسل عن طريق هذا الإلتقاء ، مجهزين عضوياً ونفسياً لهذا الالتقاء . . وجعل اللذة التي ينالانها عندئذ عميقة ، والرغبة في إتيانها أصيلة ، وذلك لضمان أن يتلاقيا فيحققا مشيئة الله في امتداد الحياة ؛ ثم لتكون هذه الرغبة الأصيلة وتلك اللذة العميقة دافعاً في مقابل المتاعب التي يلقيانها بعد ذلك في الذرية . من حمل ووضع ورضاعة . ومن نفقة وتربية وكفالة . . ثم لتكون كذلك ضماناً لبقائهما ملتصقين في أسرة ، تكفل الأطفال الناشئين ، الذين تطول فترة حضانتهم أكثر من أطفال الحيوان ، ويحتاجون إلى رعاية أطول من الجيل القديم !

هذه هي سنة الله التي يتصل إدراكها والعمل بمقتضاها بالاعتقاد في الله وحكمته ولطف تدبيره وتقديره . ومن ثم يكون الانحراف عنها متصلاً بالانحراف عن العقيدة ، وعن منهج الله للحياة .

ويبدو انحراف الفطرة واضحاً في قصة قوم لوط ، حتى أن لوطا ليجبههم بأنهم بدع دون خلق الله فيها ، وأنهم في هذا الانحراف الشنيع غير مسبوقين :

( ولوطاً إذ قال لقومه : أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين ؟ )

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلُوطًا إِذۡ قَالَ لِقَوۡمِهِۦٓ أَتَأۡتُونَ ٱلۡفَٰحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنۡ أَحَدٖ مِّنَ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (80)

يقول تعالى : { وَ } قَدْ أَرْسَلْنَا { لُوطًا } أو تقديره : { وَ } اذكر { لُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ }

ولوط هو ابن هاران بن آزر ، وهو ابن أخي إبراهيم الخليل ، عليهما{[11947]} السلام ، وكان قد آمن مع إبراهيم ، عليه السلام ، وهاجر معه إلى أرض الشام ، فبعثه الله [ تعالى ]{[11948]} إلى أهل " سَدُوم " وما حولها من القرى ، يدعوهم إلى الله ، عز وجل ، ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عما كانوا يرتكبونه من المآثم والمحارم والفواحش التي اخترعوها ، لم يسبقهم بها أحد من بني آدم ولا غيرهم ، وهو إتيان الذكور . وهذا شيء لم يكن بنو آدم تعهده ولا تألفه ، ولا يخطر ببالهم ، حتى صنع ذلك أهل " سَدُوم " عليهم لعائن الله .

قال عمرو بن دينار : قوله : { مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ } قال : ما نزا ذَكَر على ذَكَر ، حتى كان قوم لوط .

وقال الوليد بن عبد الملك الخليفة الأموي ، باني جامع دمشق : لولا أن الله ، عز وجل ، قص علينا خبر لوط ، ما ظننت أن ذكرًا يعلو ذكرًا .

ولهذا قال لهم لوط ، عليه السلام : { أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ } أي : عدلتم{[11949]} عن النساء ، وما خلق لكم ربكم منهن إلى الرجال ، وهذا إسراف منكم وجهل ؛ لأنه وضع الشيء في غير محله ؛ ولهذا قال لهم في الآية الأخرى : { [ قَالَ ]{[11950]} هَؤُلاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ } [ الحجر : 71 ] فأرشدهم إلى نسائهم ، فاعتذروا إليه بأنهم لا يشتهونهن ، { قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ } [ هود : 79 ] أي : لقد علمت أنه لا أرَبَ لنا في النساء ، ولا إرادة ، وإنك لتعلم مرادنا من أضيافك .

وذكر المفسرون أن الرجال كانوا قد استغنى{[11951]} بعضهم ببعض ، وكذلك نساؤهم كن قد استغنى{[11952]} بعضهن ببعض أيضًا .


[11947]:في ك، أ: "عليه".
[11948]:زيادة من أ.
[11949]:في د، م: "أعدلتم".
[11950]:زيادة من أ.
[11951]:في ك، م: "اغتني".
[11952]:في ك: "استغنين".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلُوطًا إِذۡ قَالَ لِقَوۡمِهِۦٓ أَتَأۡتُونَ ٱلۡفَٰحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنۡ أَحَدٖ مِّنَ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (80)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مّن الْعَالَمِينَ } .

يقول تعالى ذكره : ولقد أرسلنا لوطا . ولو قيل : معناه : واذكر لوطا يا محمد إذ قال لقومه إذ لم يكون في الكلام صلة الرسالة كما كان في ذكر عاد وثمود كان مذهبا .

وقوله : إذْ قالَ لِقَوْمِه يقول : حين قال لقومه من سدوم ، وإليهم كان أرسل لوط : أتَأْتُونَ الفاحِشَةَ ، وكانت فاحشتهم التي كانوا يأتونها التي عاقبهم الله عليها : إتيان الذكور . ما سَبَقَكُمْ بها مِنْ أحَد مِنَ العالَمِينَ يقول : ما سبقكم بفعل هذه الفاحشة أحد من العالمين . وذلك كالذي :

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا إسماعيل بن علية ، عن ابن أبي نجيح ، عن عمرو بن دينار ، قوله : ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أحَدٍ مِنَ العالَمِينَ قال : ما رؤي ذكر على ذكر حتى كان قوم لوط .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَلُوطًا إِذۡ قَالَ لِقَوۡمِهِۦٓ أَتَأۡتُونَ ٱلۡفَٰحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنۡ أَحَدٖ مِّنَ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (80)

{ ولوطا } أي وأرسلنا لوطا . { إذ قال لقومه } وقت قوله لهم أو واذكر لوطا وإذ بدل منه . { أتأتون الفاحشة } توبيخ وتقريع على تلك الفعلة المتمادية في القبح . { ما سبقكم بها من أحد من العالمين } ما فعلها قبلكم أحد قط . والباء للتعدية ومن الأولى لتأكيد النفي والاستغراق ، والثانية للتبعيض . والجملة استئناف مقرر للإنكار كأنه وبخهم أولا بإتيان الفاحشة ثم باختراعها فإنه أسوأ .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلُوطًا إِذۡ قَالَ لِقَوۡمِهِۦٓ أَتَأۡتُونَ ٱلۡفَٰحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنۡ أَحَدٖ مِّنَ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (80)

عُطف { ولوطاً } على { نوحاً } في قوله : { لقد أرسلنا نوحاً } [ الأعراف : 59 ] فالتّقدير : وأرسلنا لوطاً ، وتغيير الأسلوب في ابتداء قصّة لوط وقومه إذ ابتُدئت بذكر ( لوطاً ) كما ابتدئت قصّة بذكر نوح لأنه لم يكن لقوم لوط اسم يعرفون به كما لم يكن لقوم نوح اسم يعرفون به . و ( إذ ) ظرف متعلّق ب ( أرسلنا ) المقدر يعني أرسلناه وقت قال لقومه وجعل وقت القول ظرفاً للإرسال لإفادة مبادرته بدعوة قومه إلى ما أرسله الله به ، والمقارنة التي تقتضيها الظّرفية بين وقت الإرسال ووقت قوله ، مقارنةٌ عرفية بمعنى شدّة القرب بأقصى ما يستطاع من مبادرة التّبليغ .

وقوم لوط كانوا خليطاً من الكنعانيين وممّن نزل حولهم . ولذلك لم يوصف بأنّه أخوهم إذ لم يكن من قبائلهم ، وإنّما نزل فيهم واستوطن ديارهم . ولوط عليه السّلام هو ابن أخِي إبراهيم عليه السّلام كما تقدّم في سورة الأنعام ، وكان لوط عليه السّلام قد نزل ببلاد ( سَدوم ) ولم يكن بينهم وبينه قرَابة .

والقوم الذين أرسل إليهم لوط عليه السّلام هم أهل قرية ( سدوم ) و ( عمُّورة ) من أرض كنعان ، وربّما أطلق اسم سدوم وعمُّورة على سكّانهما . وهو أسلاف الفنيقيين وكانتا على شاطىء السديم ، وهو بحر الملح ، كما جاء في التّوراة وهو البحر الميّت المدعو ( بحيرة لوط ) بقرب أرشليم . وكانت قرب سدوم ومن معهم أحدثوا فاحشة استمتاع الرّجال بالرّجال ، فأمر الله لوطاً عليه السّلام لما نزل بقريتهم سدوم في رحلته مع عمّه إبراهيم عليه السّلام أن ينهاهم ويغلظ عليهم .

فالاستفهام في { أتأتون } إنكاري توبيخي ، والإتيان المستفهم عنه مجاز في التّلبّس والعمل ، أي أتعملون الفاحشة ، وكني بالإتيان على العمل المخصوص وهي كناية مشهورة .

والفاحشه : الفعل الدّنيء الذّميم ، وقد تقدّم الكلام عليها عند تفسير قوله تعالى : { وإذا فعلوا فاحشة } [ الأعراف : 28 ] : والمراد هنا فاحشة معروفة ، فالتّعريف للعهد .

وجملة : { ما سبقكم بها من أحد من العالمين } مستأنفة استينافاً ابتدائياً ، فإنّه بعد أن أنكر عليهم إتيان الفاحشة ، وعبّر عنها بالفاحشة ، وبّخهم بأنّهم أحدثوها ، ولم تكن معروفة في البشر فقد سَنُّوا سنة سيّئة للفاحشين في ذلك .

ويجوز أن تكون جملة : { ما سبقكم بها من أحد } صفة للفاحشة ، ويجوز أن تكون حالا من ضمير : { تأتون } أو من : { الفاحشة } .

والسبق حقيقته : وصول الماشي إلى مكان مطلوب له ولغيره قبل وصول غيره ، ويستعمل مجازاً في التّقدّم في الزّمان ، أي الأوّلية والابتداءِ ، وهو المراد هنا ، والمقصود أنّهم سبقوا النّاس بهذه الفاحشة إذ لا يقصد بمثل هذا التّركيب أنّهم ابتدأوا مع غيرهم في وقت واحد .

والباء لتعدية فعل ( سبق ) لاستعماله بمعنى ( ابتدا ) فالباء ترشيح للتّبعيّة . و ( مِنْ ) الدّاخلة على ( أحدٍ ) لتوكيد النّفي للدّلالة على معنى الاستغراق في النّفي . و ( مِن ) الداخلة على { العالمين } للتبعيض .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَلُوطًا إِذۡ قَالَ لِقَوۡمِهِۦٓ أَتَأۡتُونَ ٱلۡفَٰحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنۡ أَحَدٖ مِّنَ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (80)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{و} أرسلنا {لوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة}، يعني المعصية، يعني إتيان الرجال، وأنتم تبصرون أنها فاحشة، {ما سبقكم بها من أحد من العالمين} فيما مضى قبلكم.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: ولقد أرسلنا لوطا. ولو قيل: معناه: واذكر لوطا يا محمد إذ قال لقومه...

وقوله:"إذْ قالَ لِقَوْمِه" يقول: حين قال لقومه من سدوم، وإليهم كان أرسل لوط: "أتَأْتُونَ الفاحِشَةَ"، وكانت فاحشتهم التي كانوا يأتونها التي عاقبهم الله عليها: إتيان الذكور. "ما سَبَقَكُمْ بها مِنْ أحَد مِنَ العالَمِينَ "يقول: ما سبقكم بفعل هذه الفاحشة أحد من العالمين...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

... {أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين} يحتمل أن يكون منهم ما كان من سائر الأقوام تقليد الآباء في العبادة لغير الله كقولهم: {أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ما كان يعبد آباؤنا} [الأعراف: 70]... ونحو ما قالوا. فعلى ذلك من قوم لوط للوط لمّا دعاهم إلى عبادة الله ووحدانيته، فأجابهم بما أجاب الأقوام لأنبيائهم من التقليد لآبائهم، فقال: {أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين} أي تعملون أنتم أعمالا لا يعملها آباؤكم، ولا تقلّدون آباءكم في تركها من نحو ما ذكر من إتيان الفاحشة فقال: {ما سبقكم بها من أحد من العالمين} يعيّرهم، ويسفّه أحلامهم في إتيان ما يأتون من الفاحشة التي لم يسبقهم أحد بها من العالمين على علم منهم أن ذلك فاحشة.

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

" أتأتون الفاحشة "؟! فالفاحشة هي السيئة العظيمة القبح.

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

..أباح الحقُّ -سبحانه- في الشرع ما أزاح به العذر، فمن تَخَطَّ هذا الأمر وجرى على مقتضى الهوى استقبل هوانه، واستوجب إذلاله، واستجلب -باختياره- صغاره.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

استفهامه لهم هو على جهة...التوبيخ والتشنيع.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

عبر في قصة نوح عليه السلام ب {أرسلنا نوحاً إلى قومه} [الأعراف: 59] ثم نسق من بعده عليه فقيل: {وإلى عاد أخاهم هوداً} [الأعراف: 65] {وإلى ثمود أخاهم صالحاً} [الأعراف: 73] {وإلى مدين أخاهم شعيباً} [الأعراف: 85] وعدل عن هذا الأسلوب في قصة لوط فلم يقل: وإلى أهل سدوم أخاهم لوطاً، أو إلى أهل سدوم لوطاً أو وأرسلنا لوطاً إلى قومه ونحو ذلك كما سيأتي في قصة موسى عليه السلام، لأن من أعظم المقاصد بسياق هذه القصص تسلية النبي صلى الله عليه وسلم، في مخالفة قومه له وعدم استجابتهم وشدة أذاهم وإنذار قومه أن يحل بهم ما حل بهذه الأمم من العذاب، وقصص من عدا قوم لوط مشابهة لقصة قريش في الشرك بالله والأذى لعباده المؤمنين، وأما قصة قوم لوط فزائدة عن ذلك بأمر فظيع عظيم الشناعة شديد العار والفحش فعدل عن ذلك النسق تنبيهاً عليه تهويلاً للأمر وتبشيعاً له، ليكون في التسلية أشد، وفي استدعاء الحمد والشكر أتم...

واذكر لوطاً وما حصل عليه من قومه زيادة على شركهم من رؤيته فيهم هذا الأمر الذي لم يبق للشناعة موضعاً، فالقصة في الحقيقة تسلية وتذكير بنعمة معافاة العرب من مثل هذا الحال وإنذار لهم سوء المآل مع ما شاركت فيه أخواتها من الدلالة على سوء جبلة هؤلاء القوم وشرارة جوهرهم المقتضي لتفردهم عن أهل الأرض بذلك الأمر الفاحش، والدليل على أنه أشنع الشنع بعد الشرك -مع ما جعل الله تعالى في كل طبع سليم من النفرة عنه- اختصاصه بمشاركته للشرك في أنه لم يحل في ملة من الملل في وقت من الأوقات ولا مع وصف من الأوصاف، وبقية المحرمات ليست كذلك...

ولما كان غير مستبعد على صفاقة وجوههم ووقاحتهم أن يقولوا: لم تكون فعلتنا منكراً موبخاً عليها؟ قال: {ما سبقكم بها} وأغرق في النفي بقوله: {من أحد} وعظم ذلك بتعميمه في قوله: {من العالمين} فقد اخترعتم شيئاً لا يكون مثل فحشه لتذكروا به أسوأ ذكر، كما أن ذوي الهمم العوال والفضل والكمال يستنبطون من المحاسن والمنافع ما يبقى لهم ذكره وينفعهم أجره، وفي ذلك أعظم إشارة إلى تقبيح البدع والتشنيع على فاعليها، لأن العقول لا تستقل بمعرفة المحاسن...

تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :

{مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِين} بل هي من مبتدعاتكم في الفساد فأنتم فيها قدوة سوء فعليكم وزرها ومثل أوزار من يتبعكم فيها إلى يوم القيامة.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

..وتمضي عجلة التاريخ، فيظلنا عهد إبراهيم -عليه السلام- ولكن السياق لا يتعرض هنا لقصة إبراهيم. ذلك أن السياق يتحرى مصارع المكذبين؛ متناسقاً مع ما جاء في أول السورة: (وكم من قرية أهلكناها، فجاءها بأسنا بياتاً أو هم قائلون).. وهذا القصص إنما هو تفصيل لهذا الإجمال في إهلاك القرى التي كذبت بالنذير.. وقوم إبراهيم لم يهلكوا لأن إبراهيم -عليه السلام- لم يطلب من ربه هلاكهم. بل اعتزلهم وما يدعون من دون الله.. إنما تجيء هنا قصة قوم لوط -ابن أخي إبراهيم- ومعاصره، بما فيها من إنذار وتكذيب وإهلاك. يتمشى مع ظلال السياق، على طريقة القرآن... وتكشف لنا قصة قوم لوط عن لون خاص من انحراف الفطرة؛ وعن قضية أخرى غير قضية الألوهية والتوحيد التي كانت مدار القصص السابق. ولكنها في الواقع ليست بعيدة عن قضية الألوهية والتوحيد.. إن الاعتقاد في الله الواحد يقود إلى الإسلام لسننه وشرعه. وقد شاءت سنة الله أن يخلق البشر ذكراً وأنثى، وأن يجعلهما شقين للنفس الواحدة تتكامل بهما، وأن يتم الامتداد في هذا الجنس عن طريق النسل؛ وأن يكون النسل من التقاء ذكر وأنثى.. ومن ثم ركبهما وفق هذه السنة صالحين للالتقاء، صالحين للنسل عن طريق هذا الالتقاء، مجهزين عضوياً ونفسياً لهذا الالتقاء.. وجعل اللذة التي ينالانها عندئذ عميقة، والرغبة في إتيانها أصيلة، وذلك لضمان أن يتلاقيا فيحققا مشيئة الله في امتداد الحياة؛ ثم لتكون هذه الرغبة الأصيلة وتلك اللذة العميقة دافعاً في مقابل المتاعب التي يلقيانها بعد ذلك في الذرية. من حمل ووضع ورضاعة. ومن نفقة وتربية وكفالة.. ثم لتكون كذلك ضماناً لبقائهما ملتصقين في أسرة، تكفل الأطفال الناشئين، الذين تطول فترة حضانتهم أكثر من أطفال الحيوان، ويحتاجون إلى رعاية أطول من الجيل القديم! هذه هي سنة الله التي يتصل إدراكها والعمل بمقتضاها بالاعتقاد في الله وحكمته ولطف تدبيره وتقديره. ومن ثم يكون الانحراف عنها متصلاً بالانحراف عن العقيدة، وعن منهج الله للحياة. ويبدو انحراف الفطرة واضحاً في قصة قوم لوط، حتى أن لوطا ليجبههم بأنهم بدع دون خلق الله فيها، وأنهم في هذا الانحراف الشنيع غير مسبوقين: (ولوطاً إذ قال لقومه: أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين؟)...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

..وقوم لوط كانوا خليطاً من الكنعانيين وممّن نزل حولهم. ولذلك لم يوصف بأنّه أخوهم إذ لم يكن من قبائلهم، وإنّما نزل فيهم واستوطن ديارهم.

.. والسبق حقيقته: وصول الماشي إلى مكان مطلوب له ولغيره قبل وصول غيره، ويستعمل مجازاً في التّقدّم في الزّمان، أي الأوّلية والابتداءِ، وهو المراد هنا، والمقصود أنّهم سبقوا النّاس بهذه الفاحشة إذ لا يقصد بمثل هذا التّركيب أنّهم ابتدأوا مع غيرهم في وقت واحد...