المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{الٓمٓ} (1)

مقدمة السورة:

هذه السورة مكية ، وعدد آياتها 69 ، والآيات من 1 إلى 11 مدنية ، وقد ابتدأت السورة ببيان أنه لا بد من أن يختبر إيمان المؤمنين بالشدائد ، والجهاد لصيانة دولة الحق والإيمان ، وقد أوصى الإنسان بأبويه مع الأمر بالجهاد ، حتى يجمع بين الإحسان والجهاد ، وبين أصناف الناس بالنسبة للإيمان ، وأن منهم من يقول آمنا بلسانه ولم يذعن قلبه ، ثم أشار إلى نوح وجهاده في قومه ، وكذلك أشار إلى قصة إبراهيم في دعوته ، وبين وجه العبرة للنبي صلى الله عليه وسلم ثم بين جواب قوم إبراهيم ، وأشار إلى لوط وقصة قومه ، وإنزال رسل الله من الملائكة لإهلاكهم ، ونجاة أهله إلا امرأته ، ثم أشار سبحانه إلى قصة شعيب مع مدين ، وإلى هود وعاد ، وإلى صالح وثمود ، وإلى غرور قارون وفرعون وهامان وعاقبة أمورهم ، وبين سبحانه أن عبادة المشركين للأوثان تقوم على حجة هي أضعف من بيت العنكبوت قوة ، وأن هذه الأمثال لا يدركها إلا الذين يعملون عقولهم ، وأمر الله نبيه بعد ذلك بألا يجادل أهل الكتاب إلا بالحسنى .

وأشار سبحانه إلى أمية النبي صلى الله عليه وسلم وأنها تدل على رسالته . وقد أشار سبحانه إلى تعنت المشركين في طلبهم معجزات حسية سيكفرون بها ، كما كفر بها قوم موسى وغيرهم ، وأشار إلى استعجالهم العذاب ، بعد ذلك إلى الكون ونعم الله تعالى فيه ، ثم ذكر قيمة الحياة بجوار الآخرة ، وحال المشركين في ضعفهم ولجوئهم إلى الله حين يخافون ، وفي قومهم وإشراكهم به حين يأمنون ، ثم بين نعمته عليهم في البيت الحرام وكفرهم بها ، ثم بين فضل المجاهدين .

1- ا . ل . م : حروف صوتية سيقت لبيان أن القرآن المعجز مؤلف من هذه الحروف التي يحسنون نطقها ، ولتنبيه السامعين ولفت أنظارهم إلى الحق .

   
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{الٓمٓ} (1)

مقدمة السورة:

سورة العنكبوت مكية وآياتها تسع وستون

سورة العنكبوت مكية . وقد ذكرت بعض الروايات أن الإحدى عشرة آية الأولى مدنية . وذلك لذكر " الجهاد " فيها وذكر " المنافقين " . . ولكننا نرجح أن السورة كلها مكية . وقد ورد في سبب نزول الآية الثامنة أنها نزلت في إسلام سعد بن أبي وقاص كما سيجيء . وإسلام سعد كان في مكة بلا جدال . وهذه الآية ضمن الآيات الإحدى عشرة التي قيل إنها مدنية . لذلك نرجح مكية الآيات كلها . أما تفسير ذكر الجهاد فيها فيسير . لأنها واردة بصدد الجهاد ضد الفتنة . أي جهاد النفس لتصبر ولا تفتن . وهذا واضح في السياق . وكذلك ذكر النفاق فقد جاء بصدد تصوير حالة نموذج من الناس .

والسورة كلها متماسكة في خط واحد منذ البدء إلى الختام .

إنها تبدأ بعد الحروف المقطعة بالحديث عن الإيمان والفتنة ، وعن تكاليف الإيمان الحقة التي تكشف عن معدنه في النفوس . فليس الإيمان كلمة تقال باللسان ، إنما هو الصبر على المكاره والتكاليف في طريق هذه الكلمة المحفوفة بالمكاره والتكاليف .

ويكاد هذا أن يكون محور السورة وموضوعها ؛ فإن سياقها يمضي بعد ذلك المطلع يستعرض قصص نوح وإبراهيم ولوط وشعيب ، وقصص عاد وثمود وقارون وفرعون وهامان ، استعراضا سريعا يصور ألوانا من العقبات والفتن في طريق الدعوة إلى الإيمان . على امتداد الأجيال .

ثم يعقب على هذا القصص وما تكشف فيه من قوى مرصودة في وجه الحق والهدى ، بالتصغير من قيمة هذه القوى والتهوين من شأنها ، وقد أخذها الله جميعا :

( فكلا أخذنا بذنبه ، فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ، ومنهم من أخذته الصيحة ، ومنهم من خسفنا به الأرض ، ومنهم من أغرقنا ) . .

ويضرب لهذه القوى كلها مثلا مصورا يجسم وهنها وتفاهتها :

( مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا ، وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون ) .

ويربط بعد ذلك بين الحق الذي في تلك الدعوات والحق الذي في خلق السماوات والأرض ؛ ثم يوحد بين تلك الدعوات جميعا ودعوة محمد [ صلى الله عليه وسلم ] فكلها من عند الله . وكلها دعوة واحدة إلى الله . ومن ثم يمضي في الحديث عن الكتاب الأخير وعن استقبال المشركين له ؛ وهم يطلبون الخوارق غير مكتفين بهذا الكتاب وما فيه من رحمة وذكرى لقوم يؤمنون . ويستعجلون بالعذاب وإن جهنم لمحيطة بالكافرين . ويتناقضون في منطقهم : ( ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله ! ) . . ( ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها ليقولن الله ! ) . . ( فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين ) . . ولكنهم مع هذا كله يشركون بالله ويفتنون المؤمنين .

وفي ثنايا هذا الجدل يدعو المؤمنين إلى الهجرة فرارا بدينهم من الفتنة ، غير خائفين من الموت ، إذ ( كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا يرجعون ) . غير خائفين من فوات الرزق : وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم . .

ويختم السورة بتمجيد المجاهدين في الله وطمأنتهم على الهدى وتثبيتهم : ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ، وإن الله لمع المحسنين ) . . فيلتئم الختام مع المطلع وتتضح حكمة السياق في السورة ، وتماسك حلقاتها بين المطلع والختام ، حول محورها الأول وموضوعها الأصيل .

ويمضي سياق السورة حول ذلك المحور الواحد في ثلاثة أشواط :

الشوط الأول يتناول حقيقة الإيمان ، وسنة الابتلاء والفتنة ، ومصير المؤمنين والمنافقين والكافرين . ثم فردية التبعة فلا يحمل أحد عن أحد شيئا يوم القيامة : ( وليسألن يوم القيامة عما كانوا يفترون ) . .

والشوط الثاني يتناول القصص الذي أشرنا إليه ، وما يصوره من فتن وعقبات في طريق الدعوات والدعاة ، والتهوين من شأنها في النهاية حين تقاس إلى قوة الله . ويتحدث عن الحق الكامن في دعوة الرسل ، وهو ذاته الحق الكامن في خلق السماوات والأرض . وكله من عند الله .

والشوط الثالث يتناول النهي عن مجادلة أهل الكتاب إلا بالحسنى . إلا الذين ظلموا منهم . وعن وحدة الدين كله ، واتحاده مع هذا الدين الأخير الذي يجحد به الكافرون ، ويجادل فيه المشركون . ويختم بالتثبيت والبشرى والطمأنينة للمجاهدين في الله المهديين إلى سبل الله : ( وإن الله لمع المحسنين ) . .

ويتخلل السورة من المطلع إلى الختام إيقاعات قوية عميقة حول معنى الإيمان وحقيقته . تهز الوجدان هزا . وتقفه أمام تكاليف الإيمان وقفة جد صارم ؛ فإما النهوض بها وإما النكوص عنها . وإلا فهو النفاق الذي يفضحه الله .

وهي إيقاعات لا سبيل إلى تصويرها بغير النصوص القرآنية التي وردت فيها . فنكتفي بالإشارة إليها هنا حتى نستعرضها في موضعها مع السياق .

ألف . لام . ميم . .

الحروف المقطعة التي اخترنا في تفسيرها أنها للتنبيه إلى أنها مادة الكتاب الذي أنزله الله على رسوله [ صلى الله عليه وسلم ] مؤلفا من مثل هذه الحروف ، المألوفة للقوم ، الميسرة لهم ليؤلفوا منها ما يشاؤون من القول ؛ ولكنهم لا يملكون أن يؤلفوا منها مثل هذا الكتاب ؛ لأنه من صنع الله لا من صنع إنسان .

وقد قلنا من قبل : إن السور التي صدرت بهذه الحروف تتضمن حديثا عن القرآن ، إما مباشرة بعد هذه الحروف ، وإما في ثنايا السورة ، كما هو الحال في هذه السورة . فقد ورد فيها : ( اتل ما أوحي إليك من الكتاب ) . . ( وكذلك أنزلنا إليك الكتاب ) . . ( وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك ) . . ( أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم ) . . مما يتمشى مع القاعدة التي اخترناها لتفسير هذه الأحرف في افتتاح السور .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{الٓمٓ} (1)

مقدمة السورة:

[ وهي ]{[1]} مكية .

أما الكلام على الحروف المقطعة فقد تقدم في أول سورة " البقرة " .


[1]:زيادة من أ.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{الٓمٓ} (1)

بسم الله الرحمَن الرحيم

القول في تأويل قوله تعالى : { الَمَ * أَحَسِبَ النّاسُ أَن يُتْرَكُوَاْ أَن يَقُولُوَاْ آمَنّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ } .

قال أبو جعفر : وقد بيّنا معنى قول الله تعالى ذكره الم وذكرنا أقوال أهل التأويل في تأويله ، والذي هو أولى بالصواب من أقوالهم عندنا ، بشواهده فيما مضى ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .

وأما قوله : أحَسِبَ النّاسُ أنْ يُتْرَكُوا أنْ يَقُولُوا آمَنّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ فإن معناه : أظَنّ الذين خرجوا يا محمد من أصحابك من أذى المشركين إياهم ، أن نتركَهم بغير اختبار ، ولا ابتلاء امتحان ، بأن قالوا : آمنا بك يا محمد ، فصدّقناك فيما جئتنا به من عند الله ، كَلاّ لنختبرهم ، ليتبين الصادق منهم من الكاذب . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله آمّنا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ قال : يُبْتلَون في أنفسهم وأموالهم .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ : أي لا يُبْتَلَون .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا مؤمل ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي هاشم ، عن مجاهد ، في قوله وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ قال : لا يُبْتَلَون .

فَأَنِ الأولى منصوبة بحسب ، والثانية منصوبة في قول بعض أهل العربية ، بتعلق يتركوا بها ، وأن معنى الكلام على قوله أحَسِبَ النّاسُ أنْ يُتْرَكُوا لأن يقولوا آمنا فلما حذفت اللام الخافضة من لأَنْ ، نصبت على ما ذكرت . وأما على قول غيره فهي في موضع خفض بإضمار الخافض ، ولا تكاد العرب تقول : تركت فلانا أن يذهب ، فتدخل أنْ في الكلام ، وإنما تقول : تركته يذهب ، وإنما أدخلت أن هاهنا لاكتفاء الكلام بقوله أنْ يُتْرَكُوا إذ كان معناه : أحسب الناس أن يُتركوا وهم لا يفتنون ، من أجل أن يقولوا آمنا ، فكان قوله : أنْ يُتْرَكُوا مكتفية بوقوعها على الناس ، دون أخبارهم . وإن جعلت «أن » في قوله أنْ يَقُولُوا منصوبة بنية تكرير أحسب ، كان جائزا ، فيكون معنى الكلام : أحسب الناس أن يُتركوا : أحسبوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون .