التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{الٓمٓ} (1)

مقدمة السورة:

بيان إجمالي للسورة

هذه السورة مكية كلها . وهي فيها من القصص وأخبار السابقين من المرسلين والأمم ما فيه موعظة ومزدجر لكل ذي بال وعقل . فما يتفكر البصير في مضمونات هذه السور العظيمة حتى يغشاه الإعجاب والدهش والرهبة لعظيم ما يجد من فظائع الظالمين ، وما نزل بهم من هلاك وويلات وتدمير ؛ كقوم نوح ولوط وشعيب وقوم عاد وثمود . وكذلك قارون وفرعون وهامان ، أولئك العتاة الأشرار الذين دمّر الله عليهم وأخذهم أخذ عزيز مقتدر بما شاء من صور البلاء والتدمير جزاء طغيانهم وفسادهم وصدهم عن دين الله ومنهجه القويم للناس .

وفي السورة تنديد بالغ وتهجين شديد لأولئك المشركين الخاسرين الواهمين ، الذين يَلون الطغاة المتجبرين من الساسة الكفرة والولاة الغاشمين المتسلطين على رقاب المسلمين ، يبتغون عندهم الحظوة في الجاه أو المكانة أو الرعاية والحماية . أولئك هم الأرذال والخائرون المستخَفون من أولي القلوب الخاوية والعزائم المنهارة ، الذين يلهثون خلف الساسة المجرمين والحاكمين العتاة ؛ ليجدوا في ظلمهم وتحت سطوتهم بعض ما يبتغون من الحوائج الدنيوية المبتذلة . وأولئك في صنيعهم المهين هذا إنما مثلهم مثل الذي يثوي إلى بيت العنكبوت ليجد بين خيوطه وتحت نسيجه الواهي الحماية والرعاية . لا جرم أن { أوهن البيوت لبيت العنكبوت } .

إلى غير ذلك من القضايا ؛ كالتوصية بالفريضة الكبرى للصلاة ، ومجادلة أهل الكتاب من اليهود والنصارى بالرفق واللين وحسن الحديث .

على أن السورة كلها جاءت مبدوءة بالاستفهام الإنكاري { أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ } وذلك ليتبين للمسلمين والدعاة إلى الله أنهم مبتلون في حياتهم الدنيا بمختلف ضروب البلاء ، كيما يستبين الصادقون من الكاذبين ، والمخلصون من المنافقين ، والأقوياء من الخائرين . جعلنا الله من الثابتين الصابرين المخلصين إلى يوم الدين .

بسم الله الرحمن الرحيم

{ الم ( 1 ) أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ ( 2 ) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ( 3 ) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا سَاء مَا يَحْكُمُون } .

مضى الكلام عن الحروف المقطعة من فواتح السور .