فإذا حضروا وإياهم ، نزع { مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ } من الأمم المكذبة { شَهِيدًا } يشهد على ما جرى في الدنيا ، من شركهم واعتقادهم ، وهؤلاء بمنزلة المنتخبين .
أي : انتخبنا من رؤساء المكذبين من يتصدى للخصومة عنهم ، والمجادلة عن إخوانهم ، ومن هم وإياهم على طريق واحد ، فإذا برزوا للمحاكمة { فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ } حجتكم ودليلكم على صحة شرككم ، هل أمرناكم بذلك ؟ هل أمرتكم رسلي ؟ هل وجدتم ذلك في شيء من كتبي ؟ هل فيهم أحد يستحق شيئا من الإلهية ؟ هل ينفعونكم ، أو يدفعون عنكم من عذاب اللّه أو يغنون عنكم ؟ فليفعلوا إذا [ إن ] كان فيهم أهلية{[613]} وليروكم إن كان لهم قدرة ، { فَعَلِمُوا } حينئذ بطلان قولهم وفساده ، و { أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ } تعالى ، قد توجهت عليهم الخصومة ، وانقطعت حجتهم ، وأفلجت حجة اللّه ، { وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ } من الكذب والإفك ، واضمحل وتلاشى وعدم ، وعلموا أن اللّه قد عدل فيهم ، حيث لم يضع العقوبة إلا بمن استحقها واستأهلها .
وقوله : وَنَزَعْنا مِنْ كُلّ أُمّةٍ شَهِيدا وأحضرنا من كلّ جماعة شهيدها وهو نبيها الذي يشهد عليها بما أجابته أمته فيما أتاهم به عن الله من الرسالة . وقيل : ونزعنا من قوله : نزع فلان بحجة كذا ، بمعنى : أحضرها وأخرجها . وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة ، قوله : وَنَزَعْنا مِنْ كُل أُمّةٍ شَهيدا وشهيدُها : نبيها ، يشهد عليها أنه قد بَلّغ رسالة ربه .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : وَنَزَعْنا مِنْ كُلّ أُمّةِ شَهِيدا قال : رسولاً .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد ، بنحوه .
وقوله : فَقُلْنا هاتُوا بُرْهانَكُمْ يقول : فقلنا لأمة كلّ نبيّ منهم التي ردّت نصيحته ، وكذّبت بما جاءها به من عند ربهم ، إذ شهد نبيها عليها بإبلاغه إياها رسالة الله : هاتُوا بِرْهانَكُمْ يقول : فقال لهم : هاتوا حجتكم على إشراككم بالله ما كنتم تشركون مع إعذار الله إليكم بالرسل وإقامته عليكم بالحجج . وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة فَقُلْنا هاتُوا بُرْهانَكُمْ أي بينتكم .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : فَقُلْنا هاتُوا بُرْهانَكُمْ قال : حجتكم لما كنتم تعبدون وتقولون .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد فَقُلْنا هاتُوا بُرْهانَكُمْ قال : حجتكم بما كنتم تعبدون .
وقوله : فَعَلِمُوا أنّ الحَقّ لِلّهِ يقول : فعلموا حينئذٍ أن الحجة البالغة لله عليهم ، وأن الحقّ لله ، والصدق خبره ، فأيقنوا بعذاب من الله لهم دائم وَضَلّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ يقول : واضمحلّ فذهب الذي كانوا يُشركون بالله في الدنيا ، وما كانوا يتخرّصون ، ويكذبون على ربّهم ، فلم ينفعهم هنالك بل ضرّهم وأصلاهم نار جهنم .
والنزع : جذب شيء من بين ما هو مختلط به واستعير هنا لإخراج بعض من جماعة كما في قوله تعالى { ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمان عتياً } في سورة مريم ( 69 ) . وذلك أن الأمم تأتي إلى المحشر تتبع أنبياءها ، وهذا المجيء الأول ، ثم تأتي الأنبياء مع كل واحد منهم من آمنوا به كما ورد في الحديث " يأتي النبي معه الرهط والنبي وحده ما معه أحد » . "
والتُفت من الغيبة إلى التكلم في { ونزعنا } لإظهار عظمة التكلم ، وعطف { فقلنا } على { ونزعنا } لأنه المقصود . والمخاطب ب { هاتوا } هم المشركون ، أي هاتوا برهانكم على إلهية أصنامكم .
و { هاتوا } اسم فعل معناه ناولوا ، وهات مبني على الكسر . وقد تقدم في قوله تعالى { قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين } في سورة البقرة ( 111 ) ، واستعيرت المناولة للإظهار .
والأمر مستعمل في التعجيز فهو يقتضي أنهم على الباطل فيما زعموه من الشركاء ، ولما علموا عجزهم من إظهار برهان لهم في جعل الشركاء لله أيقنوا أن الحق مستحق لله تعالى ، أي علموا علم اليقين أنهم لا حق لهم في إثبات الشركاء وأن الحق لله إذ كان ينهاهم عن الشرك على لسان الرسول في الدنيا ، وأن الحق لله إذ ناداهم بأمر التعجيز في قوله { هاتوا برهانكم } .
و { ما كانوا يفترون } يشمل ما كانوا يكذبونه من المزاعم في إلهية الأصنام وما كانوا يفترون له الإلهية من الأصنام ، كل ذلك كانوا يفترونه .
والضلال : أصله عدم الاهتداء إلى الطريق . واستعير هنا لعدم خطور الشيء في البال ولعدم حضوره في المحضر من استعمال اللفظ في مجازيه .
و { عنهم } متعلق بفعل { ضل } . والمراد : ضل عن عقولهم وعن مقامهم ؛ مثلوا بالمقصود للسائر في طريق حين يخطىء الطريق فلا يبلغ المكان المقصود . وعلق بالضلال ضمير ذواتهم ليشمل ضلال الأمرين فيفيد أنهم لم يجدوا حجة يروجون بها زعمهم إلهية الأصنام ، ولم يجدوا الأصنام حاضرة للشفاعة فيهم فوجموا عن الجواب وأيقنوا بالمؤاخذة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.