المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{بِأَييِّكُمُ ٱلۡمَفۡتُونُ} (6)

5 - فعن قريب تبصر - يا محمد - ويبصر الكافرون بأيكم الجنون .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{بِأَييِّكُمُ ٱلۡمَفۡتُونُ} (6)

وأنهم هم الذين فتنوا عباد الله ، وأضلوهم عن سبيله ، وكفى بعلم الله بذلك ، فإنه هو المحاسب المجازي .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{بِأَييِّكُمُ ٱلۡمَفۡتُونُ} (6)

وقوله : بأَيّكُمُ المَفْتُونُ اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : تأويله بأيكم المجنون ، كأنه وجّه معنى الباء في قوله بأَيّكُمُ إلى معنى في . وإذا وجهت الباء إلى معنى «في » كان تأويل الكلام : ويبصرون في أيّ الفريقين المجنون في فريقك يا محمد أو فريقهم ، ويكون المجنون اسما مرفوعا بالباء . ذكر من قال معنى ذلك : بأيكم المجنون :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد بأَيّكُمُ المَفْتُونُ قال : المجنون .

قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن خصيف ، عن مجاهد بأَيّكُمُ المَفْتُونُ قال : بأيكم المجنون .

وقال آخرون : بل تأويل ذلك : بأيكم الجنون ، وكأن الذين قالوا هذا القول وجهوا المفتون إلى معنى الفتنة أو الفتون ، كما قيل : ليس له معقول ولا معقود ، أي بمعنى ليس له عقل ولا عقد رأي ، فكذلك وضع المفتون موضع الفُتُون . ذكر من قال : المفتون : بمعنى المصدر ، وبمعنى الجنون :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : بأَيّكُمُ المَفْتُونُ قال : الشيطان .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك ، يقول في قوله : بأَيّكُمُ المَفْتُونُ يعني الجنون .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس يقول : بأيكم الجنون .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : أيكم أولى بالشيطان ، فالباء على قول هؤلاء زيادة دخولها وخروجها سواء ، ومثّل هؤلاء ذلك بقول الراجز :

نَحْنُ بَنُو جَعْدَةَ أصجَابُ الفَلَجْ *** نَضْرِبُ بالسّيْفِ وَنَرْجُو بالفَرَجْ

بمعنى : نرجو الفرج ، فدخول الباء في ذلك عندهم في هذا الموضع وخروجها سواء . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ بأَيّكُمُ المَفْتُونُ يقول : بأيكم أولى بالشيطان .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : بأَيّكُمُ المَفْتُونُ قال : أيكم أولى بالشيطان .

واختلف أهل العربية في ذلك نحوَ اختلاف أهل التأويل ، فقال بعض نحويي البصرة : معنى ذلك : فستبصر ويبصرون أيّكم المفتون . وقال بعض نحويي الكوفة : بأيكم المفتون ها هنا ، بمعنى الجنون ، وهو في مذهب الفُتُون ، كما قالوا : ليس له معقول ولا معقود ، قال : وإن شئت جعلت بأيكم في أيكم في أيّ الفريقين المجنون ، قال : وهو حينئذٍ اسم ليس بمصدر .

وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال : معنى ذلك : بأيكم الجنون ، ووجه المفتون إلى الفتون بمعنى المصدر ، لأن ذلك أظهر معاني الكلام ، إذا لم ينو إسقاط الباء ، وجعلنا لدخولها وجها مفهوما . وقد بيّنا أنه غير جائز أن يكون في القرآن شيء لا معنى له .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{بِأَييِّكُمُ ٱلۡمَفۡتُونُ} (6)

و ( أي ) اسم مبهم يتعرف بما يضاف هو إليه ، ويظهر أن مدلول ( أي ) فرد أو طائفة متميز عن مشارك في طائفته من جنس أو وصف بمميّز واقعي أو جَعْلي ، فهذا مدلول ( أيّ ) في جميع مواقعه ، وله مواقع كثيرة في الكلام ، فقد يشرب ( أيّ ) معنى الموصول ، ومعنى الشرط ، ومعنى الاستفهام ، ومعنى التنويه بكامل ، ومعنى المعرّف ب ( ال ) إذا وُصل بندائه . وهو في جميع ذلك يفيد شيئاً متميزاً عما يشاركه في طائفته المدلولة بما أضيف هو إليه ، فقوله تعالى : { بأيكم المفتون } معناه : أيُّ رجل ، أو أيُّ فريق منكم المفتون ، ف ( أي ) في موقعه هنا اسم في موقع المفعول ل ( تُبصر ويبصرون ) أو متعلق به تعلقَ المجرور .

وقد تقدم استعمال ( أيّ ) في الاستفهام عند قوله تعالى : { فبأي حديث بعده يؤمنون } في سورة { الأعراف : 185 ] .

والمفتون } : اسم مفعول وهو الذي أصابته فتنة ، فيجوز أن يراد بها هنا الجُنون فإن الجنون يعدّ في كلام العرب من قبيل الفتنة ( يقولون للمجنون : فَتَنَتْهُ الجن ) ويجوز أن يراد ما يصدق على المضطرب في أمره المفتون في عقله حيرة وتقلقلاً ، بإيثار هذا اللفظ ، دون لفظ المجنون من الكلام الموجَّه أو التورية ليصح فرضه للجانبين .

فإن لم يكن بعض المشركين بمنزلة المجانين الذين يندفعون إلى مقاومة النبي صلى الله عليه وسلم بدون تبصر يكنْ في فتنة اضطراب أقواله وأفعاله كأبي جهل والوليد بن المغيرة وأضرابهما الذين أغروا العامة بالطعن في النبي صلى الله عليه وسلم بأقوال مختلفة .

والباء على هذا الوجه مزيدة لتأكيد تعلق الفعل بمفعوله ، والأصل : أيّكم المفتونُ فهي كالباء في قوله : { وامسحوا برؤوسكم } [ المائدة : 6 ] . ويجوز أن تكون الباء للظرفية والمعنى : في أيّ الفريقين منكم يوجد المجنون ، أي من يصدق عليه هذا الوصف فيكون تعريضاً بأبي جهل والوليد بن المغيرة وغيرهما من مدبري السوء على دهماء قريش بهذه الأقوال الشبيهة بأقوال المجانين ذلك أنهم وصفوا رجلاً معروفاً بين العقلاء مذكوراً برجاحة العقل والأمانة في الجاهلية فوصفوه بأنه مجنون فكانوا كمن زعم أن النهار ليل ومن وصف اليوم الشديد البرد بالحرارة ، فهذا شبه بالمجنون ولذلك يجعل { المفتون } في الآية وصفاً ادعائياً على طريقة التشبيه البليغ كما جعل المتنبي القوم الذين تركوا نزيلهم يرحل عنهم مع قدرتهم على إمساكه راحلين عن نزيلهم في قوله :

إذا تَرحَّلْت عن قوم وقد قدروا *** أن لا تفارقهم فالرَّاحلون هُمُو

ويجوز أن يكون { المفتون } مصدراً على وزن المفعول مثل المعقول بمعنى العقل والمجلود بمعنى الجَلْد ؛ والميْسور لليسر ، والمعسورِ لضده ، وفي المثل « خُذ من ميْسوره ودَعْ معسوره » .

والباء على هذا للملابسة في محل خبر مقدم على { المفتون } وهو مبتدأ .

يُضمن فعل ( تُبصر ويبصرون ) معنى : توقن ويوقنون ، على طريق الكناية بفعل الإِبصار عن التحقق لأن أقوى طرق الحسّ البصر ويكون الإِتيان بالباء للإِشارة إلى هذا التضمين . والمعنى : فستعلم يقيناً ويعلمون يقيناً بأيّكم المفتون ، فالباء على أصلها من التعدية متعلقة ب ( يبصر ويُبصرون ) .