مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{بِأَييِّكُمُ ٱلۡمَفۡتُونُ} (6)

وأما قوله تعالى : { بأيكم المفتون } ففيه وجوه : ( أحدها ) وهو قول الأخفش وأبي عبيدة وابن قتيبة : أن الباء صلة زائدة والمعنى ( أيكم المفتون ) وهو الذي فتن بالجنون كقوله : { تنبت بالدهن } أي تنبت الدهن وأنشد أبو عبيدة :

نضرب بالسيف ونرجو بالفرج ***

والفراء طعن في هذا الجواب وقال : إذا أمكن فيه بيان المعنى الصحيح من دون طرح الباء كان ذلك أولى ، وأما البيت فمعناه نرجو كشف ما نحن فيه بالفرج أو نرجو النصر بالفرج ( وثانيها ) وهو اختيار الفراء والمبرد أن ( المفتون ) هاهنا بمعنى الفتون وهو الجنون ، والمصادر تجيء على المفعول نحو المعقود والميسور بمعنى العقد واليسر ، يقال : ليس له معقود رأي أي عقد رأى ، وهذا قول الحسن والضحاك ورواية عطية عن ابن عباس ( وثالثها ) أن الباء بمعنى في ومعنى الآية : ( فستبصر ويبصرون ) في أي الفريقين المجنون ، أفي فرقة الإسلام أم في فرقة الكفار ( ورابعها ) ( المفتون ) هو الشيطان إذ لا شك أنه مفتون في دينه وهم لما قالوا ( إنه مجنون ) فقد قالوا : إن به شيطانا فقال تعالى : ( سيعلمون غدا ) بأيهم شيطان الذي يحصل من مسه الجنون واختلاط العقل .