المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{بِأَييِّكُمُ ٱلۡمَفۡتُونُ} (6)

واختلف الناس في معنى قوله : { بأيكم المفتون } . فقال أبو عثمان المازني : الكلام تام في قوله : { يبصرون } ، ثم استأنف قوله : { بأيكم المفتون } ، وقال الأخفش : بل الإبصار عامل في الجملة المستفهم عنها في معناها ، وأما الباء فقال أبو عبيدة معمر وقتادة : هي زائدة ، والمعنى : أيكم المفتون{[11236]} . وقال الحسن والضحاك : { المفتون } بمعنى الفتنة ، كما قالوا : ما له معقول{[11237]} ، أي عقل ، وكما قالوا : اقبل ميسوره ودع معسوره ، فالمعنى : { بأيكم } هي الفتنة والفساد الذي سموه جنوناً ، وقال آخرون : { بأيكم } فتن { المفتون } وقال الأخفش ، المعنى : { بأيكم } فتنة { المفتون } ، ثم حذف المضاف وأقيم ما أضيف إليه مقامه ، وقال مجاهد والفراء : الياء بمعنى : في أي ، في أي فريق منكم النوع المفتون .

قال القاضي أبو محمد : وهذا قول حسن قليل التكلف ، ولا نقول إن حرفاً بمعنى حرف ، بل نقول إن هذا المعنى يتوصل إليه ب «في » وبالباء أيضاً ، وقرأ ابن عبلة «في أيكم المفتون » .


[11236]:وزيادة الباء كثيرة في كلام العرب، ومن ذلك قوله تعالى: {تنبت بالدهن}، وقوله تعالى: {يشرب بها عباد الله}، ومنه قول الراجز: نحن بنو جعدة أصحاب الفلج نضرب بالسيف ونرجو بالفرج أي: ونرجو الفرج، هذا والفلج- بفتح الفاء واللام- : مدينة بأرض اليمامة كانت لبني جعدة- (راجع الخزانة، وشواهد المغني، والاقتضاب).
[11237]:من كلام العرب: "مالفلان مجلود ولا معقول"، أي ماله عقل ولا جلادة، وقال الراعي: حتى إذا لم يتركوا لعظامه لحما ولا لفؤاده معقولا أي عقلا.