قوله : { بِأَيِّكُمُ المفتون } فيه أربعة أوجه :
أحدها : أن الباء مزيدة في المبتدأ ، والتقدير : أيكم المفتون ، فزيدت كزيادتها في نحو «بحسبك زيد » ، وإلى هذا ذهب قتادة وأبو عبيدة معمر بن المثنى .
إلا أنه ضعيف من حيث إن الباء لا تزاد في المبتدأ إلا في «حَسْبُك » فقط .
الثاني : أن الباء بمعنى «فِي » فهي ظرفية ، كقولك : «زيْدٌ بالبصرةِ » أي : فيها ، والمعنى : في أي فرقة ، وطائفة منكم المفتون : أي المجنون في فرقة الإسلام أم في فرقة الكفار ؟ وإليه ذهب مجاهد والفراء{[57539]} .
ويؤيده قراءة{[57540]} ابن أبي عبلة : «فِي أيكمُ » .
والثالث : أنه على حذف مضاف ، أي «بأيكم فتن المفتون » فحذف المضاف ، وأقيم المضاف إليه مقامه ، وإليه ذهب الأخفش{[57541]} . وتكون الباء سببية .
والرابع : أن المفتون مصدر جاء على «مفعول » ك «المعقول » و «الميسور » ، والتقدير : «بأيكمُ المفْتُونُ » .
فعلى القول الأول يكون الكلام تاماً عند قوله : «ويُبْصرُونَ » ، ويبتدأ بقوله «بأيكمُ المفتُونُ » .
وعلى الأوجه بعده تكون الباء متعلقة بما قبلها ، ولا يوقف على «يُبْصِرُونَ » .
وعلى الأوجه الأول الثلاثة يكون «المَفْتُونُ » اسم مفعول على أصله ، وعلى الوجه الرابع يكون مصدراً ، وينبغي أن يقال : إن الكلام إنما يتم على قوله : «المَفْتُونُ » سواء قيل : بأن الباء مزيدة أم لا ، لأن قوله : { فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ } معلق بالاستفهام بعده ، لأنه فعل بمعنى الرؤية البصرية ، تعلق على الصحيحِ ، بدليل قولهم : أما ترى أن برق هاهنا ، فكذلك الإبصار ، لأنه هو الرؤية بالعين ، فعلى القول بزيادة الباء ، تكون الجملة الاستفهامية في محل نصب ؛ لأنها واقعة موضع مفعول الإبصار .
قال القرطبيُّ{[57542]} : { فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ } بأيكم المفتون ، الذي فتن بالجنون ، كقوله تعالى : { تَنبُتُ بالدهن }[ المؤمنون : 20 ] و{ يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ الله } [ الإنسان : 6 ] ، وهو قول قتادة وأبي عبيدة{[57543]} كما تقدم وقيل : الباء ليست مزيدة ، والمعنى «بأيكم المفتون » أي : الفتنة ، وهو مصدر على وزن المفعول ، ويكون المعنى : المفتون ، كقولهم : ما لفلان مجلود ولا معقول ، أي : عقل ولا جلادة ، قاله الحسن والضحاك وابن عباس .
4810 - حَتَّى إذَا لَمْ يَتركُوا لِعظامِهِ*** لَحْماً ولا لفُؤادِهِ مَعْقُولا{[57544]}
أي عقلاً ، والمفتون المجنون الذي فتنه الشيطانُ .
وقيل : المفتون المعذب ، من قول العرب فتنت الذهب بالنار ، إذا حميته ، قال تعالى { يَوْمَ هُمْ عَلَى النار يُفْتَنُونَ }[ الذاريات : 13 ] أي : يعذبون ، وقيل : المفتون : الشيطان ؛ لأنه مفتون في دينه ، وكانوا يقولون : إن به شيطاناً ، وعنوا بالمجنون هذا ، فقال الله تعالى لهم : فسيعلمون غداً بأيهم [ المجنون ]{[57545]} أي : الشيطان الذي يحصل من مسه الجنون واختلاط العقل .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.