الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{بِأَييِّكُمُ ٱلۡمَفۡتُونُ} (6)

قوله : { بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ } : فيه أربع أوجه ، أحدُها : أنَّ الباءَ مزيدةٌ في المبتدأ ، والتقديرُ : أيُّكم المَفْتون فزِيدَتْ كزيادِتها ، في نحو : بحَسْبك زيدٌ ، وإلى هذا ذهب قتادةُ وأبو عبيدة معمرُ بن المثنى ، إلاَّ أنَّه ضعيفٌ مِنْ حيث إنَّ الباءَ لا تُزاد في المبتدأ إلاَّ في " حَسْبُك " فقط . الثاني : أنَّ الباءَ بمعنى " في " ، فهي ظرفيةٌ ، كقولك : " زيدٌ بالبصرة " ، أي : فيها ، والمعنى : في أيِّ فرقةٍ وطائفةٍ منكم المفتونُ . وإليه ذهب مجاهدٌ والفراء ، وتؤيِّدُه قراءةُ ابن أبي عبلةَ " في أيِّكم " . الثالث : أنَّه على حَذْفِ مضافٍ ، أي : بأيكم فَتْنُ المَفْتونِ فَحُذِفَ المضافُ ، وأقيم المضافُ إليه مُقامَه ، وإليه ذهب الأخفش ، وتكونُ الباءُ سببيَّةً ، والرابع أنَّ " المفتون " مصدرٌ جاء على مَفْعول كالمَعْقول والمسيور والتقدير : بأيكم الفُتون . فعلى القول الأولِ يكونُ الكلامُ تامَّاً عند قولِه " ويُبْصِرون " ويُبْتَدأُ قولُه " بأيِّكم المفْتون " وعلى الأوجهِ بعدَه/ تكونُ الباءُ متعلِّقَةً بما قبلَها ، ولا يُوْقَفُ على " يُبْصِرون " وعلى الأوجُهِ الأُوَلِ الثلاثةِ يكونُ " المفتون " اسمَ مفعولٍ على أصلِه ، وعلى الوجهِ الرابعِ يكونُ مصدراً . وينبغي أَنْ يُقالَ : إنَّ الكلامَ إنما يَتِمُّ على قولِه " المفتون " سواءً قيل بأنَّ الباءَ مزيدةٌ أم لا ؛ لأنَّ قولَه " فَسَتُبْصِرُ ويُبْصرون " مُعَلَّقٌ بالاستفهامِ بعدَه ؛ لأنه فِعْلٌ بمعنى الرؤية ، والرؤيةُ البصريةُ تُعَلَّقُ على الصحيح بدليلِ قولِهم : " أما ترى أيُّ بَرْقٍ ههنا " ، فكذلك الإِبصارُ لأنه هو الرؤيةُ بالعينِ . فعلى القولِ بزيادةِ الباءِ تكونُ الجملةُ الاستفهاميةُ في محلِّ نَصْبٍ لأنها واقعةٌ موقعَ مفعولِ الإِبصار .