{ 56 - 59 } { يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ * كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ * وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ * الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ }
يقول تعالى : { يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا } بي وصدقوا رسولي { إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ } فإذا تعذرت عليكم عبادة ربكم في أرض ، فارتحلوا منها إلى أرض أخرى ، حيث كانت العبادة للّه وحده ، فأماكن العبادة ومواضعها ، واسعة ، والمعبود واحد .
القول في تأويل قوله تعالى : { يَعِبَادِيَ الّذِينَ آمَنُوَاْ إِنّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيّايَ فَاعْبُدُونِ } .
يقول تعالى ذكره للمؤمنين به من عباده : يا عبادي الذين وحّدوني وآمنوا بي وبرسولي محمد صلى الله عليه وسلم إنّ أرْضِي وَاسِعَةٌ .
واختلف أهل التأويل في المعنى الذي أريد من الخبر عن سعة الأرض ، فقال بعضهم : أريد بذلك أنها لم تضق عليكم فتقيموا بموضع منها لا يحلّ لكم المُقام فيه ، ولكن إذا عمل بمكان منها بمعاصي الله فلم تقدروا على تغييره ، فاهرُبوا منه . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن سعيد بن جبير ، في قوله : إنّ أرْضِي وَاسِعَةٌ قال : إذا عمِل فيها بالمعاصي ، فاخرج منها .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن سعيد بن جُبَير ، في قوله إنّ أرْضِي وَاسِعَةٌ قال : إذا عمل فيها بالمعاصي ، فاخرج منها .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا جرير ، عن ليث ، عن رجل ، عن سعيد بن جُبَير ، قال : اهرُبوا فإن أرضي واسعة .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن شريك ، عن منصور ، عن عطاء ، قال : إذا أمِرتم بالمعاصي فاهرُبوا ، فإن أرضي واسعة .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا شريك ، عن منصور ، عن عطاء إنّ أرْضِي وَاسِعَةٌ قال : مجانبة أهل المعاصي .
حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله إنّ أرْضِي وَاسِعَةٌ ، فهاجروا وجاهدوا .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله يا عِبادِيَ الّذِينَ آمَنُوا إنّ أرضِي وَاسِعَةٌ فإيّايَ فاعْبُدُونِ فقلت : يريد بهذا من كان بمكة من المؤمنين ، فقال : نعم .
وقال آخرون : معنى ذلك : إن ما أخرج من أرضي لكم من الرزق واسع لكم . ذكر من قال ذلك :
حدثنا الحسن بن عرفة ، قال : ثني زيد بن الحباب ، عن شدّاد بن سعيد بن مالك أبي طلحة الراسبي عن غَيْلان بن جرير المِعْولي ، عن مطرّف بن عبد الله بن الشّخّير العامري ، في قول الله : إنّ أرْضِي وَاسِعَةٌ : قال : إن رزقي لكم واسع .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا زيد بن حباب ، عن شدّاد ، عن غَيلان بن جرير ، عن مُطَرّف بن الشّخّير إنّ أرْضِي وَاسِعَةٌ قال : رزقي لكم واسع .
وأولى القولين بتأويل الاَية قول من قال : معنى ذلك : إن أرضي واسعة ، فاهربوا ممن منعكم من العمل بطاعتي لدلالة قوله فإيّايَ فاعْبُدُونِ على ذلك ، وأن ذلك هو أظهر معنييه ، وذلك أن الأرض إذا وصفها بِسعَة ، فالغالب من وصفه إياها بذلك ، أنها لا تضيق جميعها على من ضاق عليه منها موضع ، لا أنه وصفها بكثرة الخير والخصب .
وقوله : فإيّايَ فاعْبُدُونِ يقول : فأخلِصوا إلى عبادتكم وطاعتكم ، ولا تطيعوا في معصيتي أحدا .
هذه الآيات نزلت في تحريض المؤمنين الذين كانوا بمكة على الهجرة ، فأخبرهم تعالى بسعة أرضه وأن البقاء في بقعة على أذى الكفار ليس بصواب ، بل الصواب أن تلتمس عبادة الله في أرضه ، وقال ابن جبير وعطاء ومجاهد : إن الأرض التي فيها الظلم والمنكر تترتب فيها هذه الآية وتلزم الهجرة عنها إلى بلد حق ، وقاله مالك ، وقال مطرف بن الشخير{[9270]} قوله { إن أرضي واسعة } عدة بسعة الرزق في جميع الأرض ، وقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وابن عامر «يا عباديَ » بفتح الياء ، وقرأ ابن عامر وحده «إن أرضيَ » بفتح الياء أيضاً ، وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي بسكونها ، وكذلك قرأ نافع وعاصم «أرضي » ساكنة ، وقوله تعالى : { فإياي } منصوب بفعل مقدر يدل عليه الظاهر تقديره { فإياي } اعبدوا { فاعبدون }{[9271]} على الاهتمام أيضاً في التقديم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.