البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{يَٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّ أَرۡضِي وَٰسِعَةٞ فَإِيَّـٰيَ فَٱعۡبُدُونِ} (56)

أكثر المفسرين ذهبوا إلى أن قوله : { يا عبادي } الآية ، نزلت فيمن كان مقيماً بمكة ؛ أمروا بالهجرة عنها إلى المدينة ، أي جانبوا أهل الشرك ، واطلبوا أهل الإيمان .

وقال أبو العالية : سافروا لطلب أوليائه .

وقال ابن جبير ، وعطاء ، ومجاهد ، ومالك بن أنس : الأرض التي فيها الظلم والمنكر تترتب فيها هذه الآية ، ويلزم الهجرة عنها إلى بلد حق .

وقال مطرف بن الشخير : { إن أرضي واسعة } عدة بسعة الرزق في جميع الأرض .

وقيل : أرض الجنة واسعة أعطيكم .

وقال مجاهد : سافروا لجهاد أعدائه .

{ فإياي فاعبدون } ، من باب الاشتغال : أي فإياي اعبدوا فاعبدون .

وقال الزمخشري : فإن قلت : ما معنى الفاء في فاعبدون ، وتقدم المفعول ؟ قلت : الفاء جواب شرط محذوف ، لأن المعنى : إن أرضي واسعة ، فإن لم تخلصوا العبادة في أرض ، فاخلصوها في غيرها .

ثم حذف الشرط وعوض من حذفه تقديم المفعول ، مع إفادة تقديمه معنى الاختصاص والإخلاص . انتهى .

ويحتاج هذا الجواب إلى تأمل .

ولما أخبر تعالى بسعة أرضه ، وكان ذلك إشارة إلى الهجرة ، وأمر بعبادته ، فكأن قد يتوهم متوهم أنه إذا خرج من أرضه التي نشأ فيها لأجل من حلها من أهل الكفر إلى دار الإسلام ، لا يستقيم له فيها ما كان يستقيم له في أرضه ، وربما أدى ذلك إلى هلاكه .

أخبر أن كل نفس لها أجل تبلغه ، وتموت في أي مكان حل ، وأن رجوع الجمع إلى أجزائه يوم القيامة .

وقرأ علي : { ترجعون } ، مبنياً للفاعل ؛ والجمهور : مبنياً للمفعول ، بتاء الخطاب .