قوله ( تعالى ){[41631]} : { يا عبادي الذين آمنوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ } لما ذكر حال المشركين على حدة ، وحال أهل الكتاب على حدةٍ وجمعهما في الإنذار ، وجعلهما من أهل النار اشتد عنادهم ، وزاد فسادهم ، وسعوا في إيذاء المؤمنين ، ومنعهم من العبادة ، قال مقاتل والكلبي : ( نزلت في ضعفاء ){[41632]} مسلمي مكة يقول : إن كنتم في ضَيْقٍ بمكة من إظهار الإيمان فاخْرُجُوا منها إلى{[41633]} أرضٍ واسعة ، آمنة ، قال مجاهد{[41634]} : إن أرضي واسعة فهاجروا وجاهدوا فيها ، وقال سعيد بن جبير : إذا عُمِلَ{[41635]} في أرض بالمعاصي فاخرجوا منها فإن أرضي واسعة ، وقال عطاء : إذا أمرتم بالمعاصي فاهربوا ( فإن ){[41636]} أرضي واسعة وكذلك يجب على كل من كان في بلد يعمل فيها بالمعاصي ولا يمكنه تغيير ذلك أن يهاجر إلى حيث تُهَيَّأُ له العبادة ، وقيل : نزلت في قوم تخلفوا عن الهجرة بمكة وقالوا تخشى إن هاجرنا من الجوع وضيق المعيشة ، فأنزل الله{[41637]} هذه الآية ولم يَعْذرهم بترك الخروج ، وقال مطرف بن عبد الله{[41638]} : أرضي واسعة : رزقي لكم واسع فاخرجوا .
قوله : «يا عبادي » لا يدخل فيه الكافر لوجوه :
أحدها : { إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ }{[41639]} والكافر يحب{[41640]} سلطنة الشيطان فلا يدخل في قوله : «يا عبادي » .
وثانيها : قوله تعالى : { يا عبادي الذين أَسْرَفُواْ على أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِنْ رَحْمَةِ الله } [ الزمر : 53 ] .
وثالثها : أن العباد مأخوذ من العِبَادة والكافر لا يعبد الله فلا يدخل في قوله : «عبادي » وإنما يختص بالمؤمنين الذين يعبدونه .
ورابعها : الإضافة بين الله والعبد بقول العبد إلهي ، وقول{[41641]} الله عبدي .
فإن قيل : إذا كانت{[41642]} «عباده » لا تتناول إلا المؤمنين فما الفائدة في قوله : «الذين آمنوا » مع أن الوصف إنما يذكر لتمييز الموصوف كما يقال : يا أيها المكلفون المؤمنون ، يا أيها الرجلاء العقلاء تتمييزاً بين الكافر والجاهل ؟ .
فالجواب : أن الوصف يذكر لا لتمييز بل لمجرد بيان أن فيه الوصف كما يقال : الأنبياءُ المُكَرَّمُونَ{[41643]} والملائكة المطهَّرُونَ ، مع أن كل نبي مكرمٌ ، وكل ملك مطهرٌ ، فإنما يقال{[41644]} لبيان أن فيهم الإكرامَ والطهارة ، ومثله قولنا : الله الله العظيم فهاهنا{[41645]} ذكر لبيان أنهم مؤمنون .
فإن قيل : قوله : «يا عبادي » يفهم منه{[41646]} كونهم عابدين فما الفائدة بالأمر بالعبادة بقوله : «فَاعْبُدُونِ » ؟ .
إحداهما : المداومة أي يا من عَبَدْتُمُونِي{[41647]} في الماضي فاعْبُدُوني{[41648]} في المستقبل .
والثانية : الإخلاص أي يا من يعبدني أَخْلِص العمل ولا تَقْبَلْ غيري .
فإن قيل : الفاء{[41649]} في قوله : «فَإِيَّايَ » يدل على أنه جواب لشرطٍ فما ذاك ؟ .
فالجواب : قوله : { إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ } إشارة إلى عدم المانع من عبادته فكأنه قال : إذا كان لا مانع من عبادتي فإياي فاعبدون فهو لترتيب المقتضَى على المقتضي كما يقال : هذا عالمٌ فأكرموه .
فكذلك هاهنا لما أعلم نفسه بقوله : «فَإيَّايَ » وهو لنفسه مستحق العبادة ، فقال : «فَاعْبُدُونِ » . قال الزمخشري : «هذا جواب شرط مقدر ، وجعل تقديم المفعول عوضاً من حذفه{[41650]} مع إفادته للاختصاص » . وقد تقدم مُنَازَعَةُ أبي حيان{[41651]} له في نظيره .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.