محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{يَٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّ أَرۡضِي وَٰسِعَةٞ فَإِيَّـٰيَ فَٱعۡبُدُونِ} (56)

{ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ } هذا خطاب لمن لم تمكنه عبادته تعالى وحده في أرضه ، لإيذائه في الله واضطهاده في جانبه ، أن يهاجر عنها إلى بلد ما ، يقدر أنه فيه أسلم قلبا ، وأصح دينا ، وآمن نفسا . وأن يتجنب المقام في بلده على تلك الحالة ، كيلا يفتنه الكافرون . أو يعرض نفسه للتهلكة ، وقد جعل له منها مخرج . وكون أرض الله واسعة ، مذكور للدلالة على المقدر . وهو كالتوطئة لما بعده . لأنها مع سعتها ، وإمكان التفسح فيها ، لا ينبغي الإقامة بأرض لا يتيسر بها للمرء ما يريده .

كما قيل : * وكل مكان ينبت العز طيب *

وقال آخر :

إذا كان أصلي من تراب فكلها *** بلادي ، وكل العالمين أقاربي

وقد روى الإمام {[6057]} أحمد عن الزبير : قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( البلاد بلاد الله ، والعباد عباد الله . فحيثما أصبت خيرا فأقم ) . ولهذا لما ضاق على المستضعفين بمكة مقامهم ، خرجوا مهاجرين إلى أرض الحبشة ليأمنوا على دينهم هناك فوجدوا خير نزل بها ، عند ملكها النجاشي رحمه الله . ثم بعد ذلك هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الباقون إلى المدينة المنورة ، عملا بالآية الكريمة .


[6057]:أخرجه ه بالصفحة 166 من الجزء الأول (طبعة الحلبي) والحديث رقم 1420 (طبعة المعارف).