التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{يَٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّ أَرۡضِي وَٰسِعَةٞ فَإِيَّـٰيَ فَٱعۡبُدُونِ} (56)

قوله : { يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ ( 56 ) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ( 57 ) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُم مِّنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ( 58 ) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ( 59 ) وَكَأَيِّن مِن دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } .

يأمر الله عباده المؤمنين أن يهاجروا من البلد الذي يفتنون فيه عن دينهم فلا يقدرون بذلك أن يعبدوا الله أحرارا ، أو أن يجاهروا بعبادة ربهم على الملأ خشية أن يميل الكافرون الظالمون فينكلوا بهم تنكيلا أو يستأصلوهم استئصالا أو يلقوا بهم في مهالك السجون والزنازين حيث الموت والتنكيل والإبادة . هؤلاء يأمرهم ربهم أن يغادروا بلدهم هذا الذي يجدون فيه الهوان والفتنة ليخرجوا إلى بلاد الله الواسعة كما يعبدوا الله أحرارا طلقاء ؛ فإذا أحاطت بالمؤمن الفتنة ؛ والمعاصي في بلد وهو غير قادر على تغيير ذلك ، أو كان بقاؤه في هذا البلد سببا في سقوطه في الضلال والانغماس في الرذيلة والمعصية بات خروجه واجبا ؛ صونا لدينه أن يضيع . فقال سبحانه في ذلك : { يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ } وفي ذلك روى الإمام أحمد ، عن أبي يحيى مولى الزبير بن العوام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " البلاد بلاد الله والعباد عباد الله فحيثما أصبت خيرا فأقم " .

ولهذا لما ضاق المقام على المسلمين المستضعفين بمكة خرجوا منها مهاجرين إلى أرض الحبشة ليأمنوا على دينهم فيها فوجدوا فيها خير مقام في كنف المسلم العادل أصحمة النجاشي ملك الحبشة . وبعد ذلك هاجر رسول الله صلى الله عليه سلم وأصحابه إلى يثرب –المدينة المنورة- فوجدوا فيها الأمن والاستقرار وحسن المقام لدى إخوان كرام أبرار وهم الأنصار .