غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{يَٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّ أَرۡضِي وَٰسِعَةٞ فَإِيَّـٰيَ فَٱعۡبُدُونِ} (56)

وحين ذكر حال الكفرة من أهل الكتاب والمشركين وجمعهم في الإنذار وجعلهم من أهل النار اشتد عنادهم وزاد فسادهم وسعوا في إيذاء المؤمنين ومنعهم من عبادة الله فقال :{ يا عبادي } فإن كانت الإضافة للتشريف كقوله { عيناً يشرب بها عباد الله } [ الدهر : 6 ] فقوله { الذين آمنوا } صفة موضحة . وإن كانت للتخصيص فهي صفة مميزة . ومعنى الآية أن المؤمن إذا لم يتسهل له عبادة الله في بلد على وجه الإخلاص فليهاجر عنه إلى بلد يكون فيه أفرغ بالاً أو أرفع حالاً وأقل عوارض نفسانية وأكمل دواعي روحانية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " من فر بدينه من أرض إلى أرض وإن كان شبراً من الأرض استوجب الجنة وكان رفيق إبراهيم ومحمد " واعلم أني عند الوصول إلى تفسير هذه السورة عنَّ لي سفر من غير اختيار كلي فأقول متضرعاً إلى الله الكريم ومستمداً من إعجاز الفرقان العظيم : اللهم إن كنت تعلم أن هذا السفر مشوب بشيء من رضاك فإن كل الرضا لا يمكنني أن أراعيه فاجعله سبباً لنجح المقاصد وحصول المآرب والاشتمال على الفوائد الدنيوية والدينية والخلاص من شماتة الأعداء الدنية حتى أفرع لنشر العلوم الشرعية إنك على ما تشاء قدير وبالإسعاف والإجابة جدير . والفاء في قوله { فإياي } للدلالة على أنه جواب الشرط كأنه قال : إذا كان لا مانع من عبادتي { فاعبدوني } ثم أريد معنى الاختصاص والإخلاص فقدم المفعول على شريطة التفسير ، وجيء بالفاء الثانية الدالة على ترتيب المقتضى على المقتضي كما يقال : هذا عالم فأكرموه كما مر في قوله { وإياي فارهبون } [ البقرة : 40 ] فصار حاصل المعنى : إن لم تخلصوا العبادة لي في أرض فاخلصوها لي في غيرها . والفائدة في الأمر بالعبادة بعد قوله { يا عبادي } الدال على العبودية إما المداومة أي يا من عبدتموني في الماضي اعبدوني في المستقبل ، أو الإخلاص في العبادة . ويجوز أن يقال : العبودية غير العبادة ، فكم من عبد لا يطيع سيده .

/خ69