بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{يَٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّ أَرۡضِي وَٰسِعَةٞ فَإِيَّـٰيَ فَٱعۡبُدُونِ} (56)

ثم قال عز وجل : { يا عبادي الذين آمنوا } قرأ حمزة والكسائي وأبو عمرو بسكون الياء ، وقرأ الباقون بنصب الياء ، وقرأ ابن عامر وحده { إِنَّ أَرْضِى وَاسِعَةٌ } بنصب الياء ، وقرأ الباقون بسكونها في مثل هذه المواضع ، لغتان يجوز كلاهما ، ومعناه : إن أرضي واسعة ، إذا أُمِرْتُم بالمعصية والبدعة فاهربوا ، ولا تطيعوا في المعصية ، نزلت في ضعفاء المسلمين { إِن كُنتُمْ } يعني : إذا كنتم في ضيق من إظهار الإسلام بمكة فَإِنَّ أَرْضِيَ وَاسِعَةٌ يعني : المدينة واسعة بإظهار الإسلام .

وروي عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه قال : « مَنْ فَرَّ بِدِينهِ مِنْ أَرْضٍ إلى أرضٍ وإنْ كَانَ شِبْراً مِنَ الأرض اسْتَوْجَبَ الجَنَّةَ وَكَانَ رَفِيقَ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدٍ عَلَيْهِمَا السَّلام » وإنما خصَّ إبراهيم لأنه قال { فَأامَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّى مُهَاجِرٌ إلى ربى إِنَّهُ هُوَ العزيز الحكيم } [ العنكبوت : 26 ] ففرَّ بدينه إلى الأرض المقدسة ، وإنما خصّ محمداً صلى الله عليه وسلم لأنه هاجر من مكة إلى المدينة . ويقال : إن القوم كانوا في ضيق من العيش فقال : إن كنتم تخافون شدة العيش فإن أرضي واسعة . { فَإِيَّاىَ فاعبدون } أي موحدون بالمدينة علانية .