ولما ذكر تعالى حال المشركين على حدة وحال أهل الكتاب على حدة وجمعهما في الإنذار وجعلهما من أهل النار اشتدّ عنادهم وزاد فسادهم وسعوا في إيذاء المؤمنين ومنعهم من العبادة قال تعالى : { يا عبادي الذين آمنوا } فشرفهم بالإضافة إليه { إن أرضي واسعة } أي : في الذات والرزق وكل ما تريدون من الرفق إن لم تتمكنوا بسبب هؤلاء المعاندين الذين يفتنونكم في دينكم ، قال مقاتل والكلبي : نزلت في ضعفاء مسلمي مكة يقول الله تعالى : إن كنتم في ضيق بمكة من إظهار الإيمان فاخرجوا منها فإنّ أرض المدينة واسعة آمنة وقال مجاهد : إن أرضي واسعة فهاجروا وجاهدوا وفيها ، وقال سعيد بن جبير : إذا عمل في أرض بالمعاصي فاخرجوا منها فإن أرضي واسعة ، وكذا يجب على كل من كان في بلد يعمل فيها بالمعاصي ولا يمكنه تغيير ذلك أن يهاجر إلى حيث تتهيأ له العبادة ولكن صارت البلدان في زماننا كلها متساوية فلا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم .
وقرأ بفتح الياء ابن عامر ، والباقون بتسكينها ، وقيل نزلت في قوم تخلفوا عن الهجرة بمكة وقالوا : نخشى إن هاجرنا من الجوع وضيق المعيشة فأنزل الله تعالى هذه الآية ولم يعذرهم بترك الخروج ، وقال مطرف بن عبد الله : أرضي واسعة يعني رزقي لكم واسع فاخرجوا ، روى الثعلبي عن الحسن البصري مرسلاً : «من فرّ بدينه من أرض إلى أرض ولو كان شبراً استوجب الجنة ، وكان رفيق إبراهيم ومحمد صلوات الله وسلامه عليهما » .
تنبيه : قوله تعالى : { يا عبادي } لا يدخل فيه الكافر لوجوه : الأوّل : قوله تعالى : { إن عبادي ليس لك عليهم سلطان } ( الحجر : 42 ) والكافر تحت سلطنة الشيطان فلا يدخل في قوله تعالى يا عبادي . الثاني : قوله تعالى : { يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله } ( الزمر : 53 ) الثالث : أنّ العباد مأخوذ من العبادة والكافر لا يعبد الله فلا يدخل في قوله تعالى { يا عبادي } وإنما يختص بالمؤمنين الذين يعبدونه ، الرابع : الإضافة بين الله تعالى والعبد يقول العبد إلهي ويقول الله عبدي ، فإن قيل : إذا كان عباده لا يتناول إلا المؤمنين فما الفائدة في قوله { الذين آمنوا } مع أن الوصف إنما يذكر لتمييز الموصوف كما يقال : يا أيها المكلفون المؤمنون ، يا أيها الرجال العقلاء تمييزاً بين الكافر والجاهل ؟ أجيب : بأنّ الوصف يذكر لا لتمييز بل لمجرّد بيان أنّ فيه الوصف كما يقال : الأنبياء المكرمون ، والملائكة المطهرون ، مع أن كل نبيّ مكرم ، وكل ملك مطهر ، وإنما يقال لبيان أن فيهم الإكرام والطهارة ، ومثله قولنا ، الله العظيم فههنا ذكر لبيان أنهم مؤمنون ولما كانت الإقامة بمكة قبل الفتح موِدّية إلى الفتنة قال تعالى : { فإياي } أي : خاصة بالهجرة إلى أرض تأمنون فيها { فاعبدون } أي : وحدون وإن كان بالهجرة وكانت هجرة الأهل والأوطان شديدة ، فإن قيل : قوله تعالى : { يا عبادي } يفهم منه كونهم عابدين فما الفائدة في الأمر بالعبادة ؟ أجيب : بأنّ فيه فائدتين أحداهما : المداومة أي : يا من عبدتموني في الماضي اعبدوني في المستقبل ، الثانية : الإخلاص أي : يا من تعبدني أخلص العمل لي ولا تعبد غيري ، فإن قيل ما معنى الفاء في فاعبدون ؟ أجيب : بأن الفاء جواب شرط محذوف لأنّ المعنى إنّ أرضي واسعة فإن لم تخلصوا العبادة لي في أرضي فأخلصوها في غيرها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.