فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{يَٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّ أَرۡضِي وَٰسِعَةٞ فَإِيَّـٰيَ فَٱعۡبُدُونِ} (56)

{ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ ( 56 ) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ( 57 ) }

{ يا عبادي الذين آمنوا } أضافهم إليه بعد خطابه لهم تشريفا وتكريما ، والموصول صفة موضحة أو مميزة { إن أرضي واسعة } : قيل : نزلت في ضعفاء مسلمي أهل مكة ، يقول الله : إن كنتم في ضيق في مكة من إظهار الإيمان ، وفي مكايدة للكفار فاخرجوا منها لتتيسر لكم عبادتي وحدي ، وتتسهل عليكم .

وقيل : نزلت في قوم تخلفوا عن الهجرة ، وقالوا : نخشى إن هاجرنا من الجوع وضيق المعيشة ، فأنزل الله هذه الآية ولم يعذر لهم بترك الخروج . قال الزجاج : أمروا بالهجرة من الموضع الذي لا تمكنهم فيه عبادة الله ، وكذلك يجب على كل من كان في بلد يعمل فيها بالمعاصي ولا يمكنه تغيير ذلك أن يهاجر إلى حيث يتهيأ أن يعبد الله حق عبادته ، وقال مطرف ابن الشخير : المعنى أنم رحمتي واسعة ورزقي لكم واسع ، فابتغوه في الأرض . و قيل : البلاد والبقاع تتفاوت في ذلك تفاوتا كثيرا ، قال علي القارى رحمه الله : وأما اليوم فإن بحمد الله لم نجد أعون على قهر النفس ، وأجمع للقلب ، وأحث على القناعة ، وأطرد للشيطان ، وأبعد من الفتن وأربط للأمر الديني ، وأظهر له من مكة حرسها الله تعالى{[1356]} .

أقول : لولا ما فيها الآن من استطالة أهل البدع على أهل السنة وإيثار التنظيمات السلطانية على الأحكام الرحمانية ، وظلم أهل المكس على الحجاج ، وعدم الانتصاف من أهل الاعتساف ، والحجر على العمل بالسنة ، والتمسك بالحق ، والله يفعل ما يشاء ويحكم على ما يريد .

قال سهل : إذا ظهرت المعاصي والبدع في أرض فاخرجوا منها إلى أرض المطيعين ، قلت وأنّى لنا هذا اليوم ؟ ولو علمنا أرضا طائعة على وجه البسيطة على حسب ما نطق به الكتاب والسنة أو ما ذهب إليه فقهاء الأمة لخرجنا إليها إن شاء الله تعالى ؛ ولكن كم من أمنية ضاعت فإنا لله وإنا إليه راجعون ، وروي مرفوعا : من فر بدينه من أرض إلى أرض وإن كان شبرا من الأرض استوجب الجنة ، ولينظر في سنده وتخريجه ، وقيل : المعنى : إن أرضي التي هي أرض الجنة واسعة .

{ فإياي فاعبدون } حتى أورثكموها ، وانتصاب إياي بفعل مضمر ، أي : فاعبدوا إياي ، ثم لما صعب على المؤمنين ترك الأوطان ، ومفارقة الإخوان ، خوفهم سبحانه بالموت ليهون عليهم أمر الهجرة ، وشجع المهاجرين لئلا يقيموا بدار الشرك خوفا من الموت فقال :


[1356]:من أول (أقول) كلام المصنف الذي ينعي على الحجاز ما كان في عهده من فراهة الشر واستفحال أهل الحرابة وقطاع الطرق. المطيعي.