45- يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم جماعة مقاتلة من أعدائكم فاثبتوا ولا تفروا ، واذكروا الله متمثلين قدرته وحسن وعده بنصر المؤمنين ، مكثرين في ذلك الذكر مع الثبات والصبر ، فإنكم إن فعلتم ذلك كان رجاؤكم للفلاح محققاً{[75]} .
{ 45 - 49 ْ } { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ * وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ * إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ْ }
يقول تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً ْ } أي : طائفة من الكفار تقاتلكم .
{ فَاثْبُتُوا ْ } لقتالها ، واستعملوا الصبر وحبس النفس على هذه الطاعة الكبيرة ، التي عاقبتها العز والنصر .
واستعينوا على ذلك بالإكثار من ذكر اللّه { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ْ } أي : تدركون ما تطلبون من الانتصار على أعدائكم ، فالصبر والثبات والإكثار من ذكر اللّه من أكبر الأسباب للنصر .
القول في تأويل قوله تعالى : { يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُوَاْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيراً لّعَلّكُمْ تُفْلَحُونَ } .
وهذا تعريف من الله جلّ ثناؤه أهل الإيمان به السيرة في حرب أعدائه من أهل الكفر به والأفعال التي ترجى لهم باستعمالها عند لقائهم النصرة عليهم والظفر بهم ، ثم يقول جلّ ثناؤه لهم : يا أيها الذين آمنوا ، صدّقوا الله ورسوله إذا لقيتم جماعة من أهل الكفر بالله للحرب والقتال ، فاثبتوا لقتالهم ولا تنهزموا عنهم ولا تولوهم الأدبار هاربين ، إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة منكم . وَاذْكُرُوا الله كَثيرا يقول : وادعوا الله بالنصر عليهم والظفر بهم ، وأشعروا قلوبكم وألسنتكم ذكره . لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ يقول : كيما تنجحوا فتظفروا بعدوكم ، ويرزقكم الله النصر والظفر عليهم . كما :
حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إذَا لَقِيُتمْ فِئَةً فاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللّهَ كَثِيرا لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ افترض الله ذكره عند أشغل ما تكونون عند الضراب بالسيوف .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة عن ابن إسحاق : يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إذَا لَقِيُتمْ فِئَةً يقاتلونكم في سبيل الله ، فاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللّهَ كَثِيرا اذكروا الله الذي بذلتم له أنفسكم والوفاء بما أعطيتموه من بيعتكم ، لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ .
{ يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة } حاربتم جماعة ولم يصفها لأن المؤمنين ما كانوا يلقون إلا الكفار ، واللقاء مما غلب في القتال . { فاثبُتوا } للقائهم . { واذكروا الله كثيرا } في مواطن الحرب داعين له مستظهرين بذكره مترقبين لنصره . { لعلكم تفلحون } تظهرون بمرادكم من النصرة والمثوبة ، وفيه تنبيه على أن العبد ينبغي أن لا يشغله شيء عن ذكر الله ، وأن يلتجئ إليه عند الشدائد ويقبل عليه بشراشره فارغ البال واثقا بأن لطفه لا ينفك عنه في شيء من الأحوال .
هذا أمر بما فيه داعية النصر وسبب العز ، وهي وصية من الله متوجهة بحسب التقييد التي في آية الضعف{[5386]} ، ويجري مع معنى الآية قول النبي صلى الله عليه وسلم : «لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية فإذا لقيتموهم فاثبتوا »{[5387]} .
قال القاضي أبو محمد : وهكذا ينبغي أن يكون المسلم في ولاية الإمارة والقضاء لا يطلب ولا يتمنى ، فإن ابتلي صبر على إقامة الحق ، و «الفئة » الجماعة أصلها فئوة وهي من فأوت أي جمعت ، ثم أمر الله تعالى بإكثار ذكره هنالك إذ هو عصمة المستنجد ووزر{[5388]} المستعين ، قال قتادة : افترض الله ذكره عند أشغل ما يكونون عند الضراب بالسيوف .
قال القاضي أبو محمد : وهذا ذكر خفي لأن رفع الأصوات في موطن القتال رديء مكروه إذا كان إلغاطاً{[5389]} ، فأما إن كان من الجمع عند الحملة فحسن فاتٌّ في عضد العدو ، وقال قيس بن عباد : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرهون الصوت عند ثلاث : عند قراءة القرآن وعند الجنازة والقتال ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : «اطلبوا إجابة الدعاء عند القتال وإقامة الصلاة ونزول الغيث »{[5390]} ، وقال ابن عباس يكره التلثم عند القتال .
قال القاضي أبو محمد : ولهذا والله أعلم يتسنن{[5391]} المرابطون بطرحه عند القتال على ضنانتهم به و { تفلحون } تنالون بغيتكم وتبلغون آمالكم ، وهذا مثل قول لبيد : [ الرجز ]
أفلح بما شئت فقد يبلغ بالضْ*** ضعف وقد يخدع الأريب{[5392]}