المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ سَنُدۡخِلُهُمۡ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۖ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٗاۚ وَمَنۡ أَصۡدَقُ مِنَ ٱللَّهِ قِيلٗا} (122)

122- هذا مصير أتباع الشيطان ، أما مصير أتباع الله فالخير ، وهم الذين آمنوا بالله ورسوله وعملوا الأعمال الصالحة ، ولم يسيروا وراء أوهام كاذبة ، فإن الله - تعالى - سيدخلهم يوم القيامة جنات فيها أنهار تجري تحت ظلالها ، وهي أكبر من أعظم جنات الدنيا ، وإن ذلك مؤكد ، لأنه وعد الله ، ووعد الله لا يكون إلا حقاً ، لا غرور فيه ، إذ هو مالك كل شيء ، ولا يتصور أن يكون أحدٌ في الوجود أصدق من الله وعداً وقولا .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ سَنُدۡخِلُهُمۡ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۖ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٗاۚ وَمَنۡ أَصۡدَقُ مِنَ ٱللَّهِ قِيلٗا} (122)

ولما بين مآل الأشقياء أولياء الشيطان ذكر مآل السعداء أوليائه فقال : { وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا ْ }{[241]}

أي : { آمَنُوا ْ } بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، والقَدَر خيره وشره على الوجه الذي أمروا به علما وتصديقا وإقرارا . { وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ْ } الناشئة عن الإيمان ؟

وهذا يشمل سائر المأمورات من واجب ومستحب ، الذي على القلب ، والذي على اللسان ، والذي على بقية الجوارح . كل له من الثواب المرتب على ذلك بحسب حاله ومقامه ، وتكميله للإيمان والعمل الصالح .

ويفوته ما رتب على ذلك بحسب ما أخل به من الإيمان والعمل ، وذلك بحسب ما علم من حكمة الله ورحمته ، وكذلك وعده الصادق الذي يعرف من تتبع كتاب الله وسنة رسوله .

ولهذا ذكر الثواب المرتب على ذلك بقوله : { سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ْ } فيها ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، من أنواع المآكل والمشارب اللذيذة ، والمناظر العجيبة ، والأزواج الحسنة ، والقصور ، والغرف المزخرفة ، والأشجار المتدلية ، والفواكه المستغربة ، والأصوات الشجية ، والنعم السابغة ، وتزاور الإخوان ، وتذكرهم ما كان منهم في رياض الجنان ، وأعلى من ذلك كله وأجلّ رضوان الله عليهم وتمتع الأرواح بقربه ، والعيون برؤيته ، والأسماع بخطابه الذي ينسيهم كل نعيم وسرور ، ولولا الثبات من الله لهم لطاروا وماتوا من الفرح والحبور ، فلله ما أحلى ذلك النعيم وما أعلى ما أنالهم الرب الكريم ، وماذا حصل لهم من كل خير وبهجة لا يصفه الواصفون ، وتمام ذلك وكماله الخلود الدائم في تلك المنازل العاليات ، ولهذا قال : { خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا ْ }

فصدق الله العظيم الذي بلغ قولُه وحديثُه في الصدق أعلى ما يكون ، ولهذا لما كان كلامه صدقا وخبره حقا ، كان ما يدل عليه مطابقةً وتضمنًا وملازمةً كل ذلك مراد من كلامه ، وكذلك كلام رسوله صلى الله عليه وسلم لكونه لا يخبر إلا بأمره ولا ينطق إلا عن وحيه .


[241]:- في ب: الآية كاملة، بينما في أ، اقتصر على أولها.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ سَنُدۡخِلُهُمۡ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۖ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٗاۚ وَمَنۡ أَصۡدَقُ مِنَ ٱللَّهِ قِيلٗا} (122)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ وَالّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً وَعْدَ اللّهِ حَقّاً وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً } . .

يعني جلّ ثناؤه بقوله : { وَالّذِينَ آمَنُوا وَعمِلُوا الصّالِحاتِ } : والذين صّدقوا الله ورسوله ، وأقّروا له بالواحدانية ولرسوله صلى الله عليه وسلم بالنبوّة وعملوا الصالحات ، يقول : وأدّوا فرائض الله التي فرضها عليهم . { سَنُدْخِلُهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تحْتِها الأنْهارُ } يقوله : سوف ندخلهم يوم القيامة إذا صاروا إلى الله جزاء بما عملوا في الدنيا من الصالحات جنات : يعني بساتين تجري من تحتها الأنهار . { خالدِينَ فيها أبَدا } يقول : باقين في هذه الجنات التي وصفها أبدا دائما . وقوله { وَعْدَ اللّهِ حَقّا } يعين : عدة من الله لهم ذلك في الدنيا حقا ، يقينا صادقا ، لا كَعِدَة الشيطان الكاذبة التي هي غرور من وعدها من أوليائه ، ولكن عِدة ممن لا يكذب ولا يكون منه الكذب ولا يخلف وعده . وإنما وصف جلّ ثناؤه وعده بالصدق والحقّ في هذه لما سبق من خبره جلّ ثناؤه ، عن قول الشيطان الذي قصه في قوله ، وقال : { لاَءَتّخِذَنّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيبا مَفْرُوضا وَلأُضِلّنّهُمْ وَلأُمَنّيَنّهُمْ ووَلاَمُرَنّهُمْ فَلَيُبَتّكُنّ آذَانَ الأنْعامِ } ثم قال جلّ ثناؤه : { يَعِدُهُمْ ويُمَنّيهِمْ وَما يَعِدُهُمُ الشّيْطانُ إلاّ غُرُورا } ولكن الله يعد الذين آمنوا وعملوا الصالحات أنه سيدخلهم جناتٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ، وعدا منه حقا ، لا كوعد الشيطان الذي وصف صفته . فوصف جلّ ثناؤه الوعدين والواعدين وأخبر بحكم أهل كل وعد منهما تنبيها منه جلّ ثناؤه خلقه على ما فيه مصلحتهم وخلاصهم من الهلكة والعطب ، لينزجروا عن معصيته ويعملوا بطاعته ، فيفوزوا بما أعدّ لهم في جنانه من ثوابه . ثم قال لهم جلّ ثناؤه : { وَمَنْ أصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً } يقول : ومن أصدق أيها الناس من الله قيلاً : أي لا أحد أصدق منه قيلاً ، فكيف تتركون العمل بما وعدكم على العمل به ربكم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ، وتكفرون به ، وتخالفون أمره ، وأنتم تعلمون أن لا أحد أصدق منه قيلاً ، وتعملون بما يأمركم به الشيطان ، رجاء لإدراك ما يعدكم من عِداته الكاذبة وأمانيه الباطلة ، وقد علمتم أن عداته غرور لا صحة لها ولا حقيقة ، وتتخذونه وليا من دون الله وتتركون أن تطيعوا الله فيما يأمركم به وينهاكم عنه ، فتكونوا له أولياء ؟ ومعنى القِيل والقول : واحد .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ سَنُدۡخِلُهُمۡ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۖ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٗاۚ وَمَنۡ أَصۡدَقُ مِنَ ٱللَّهِ قِيلٗا} (122)

{ والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا وعد الله حقا } . أي وعده وعدا وحق ذلك حقا ، فالأول مؤكد لنفسه لأن مضمون الجملة الإسمية التي قبله وعد ، والثاني مؤكد لغيره ويجوز أن ينصب الموصول بفعل يفسره ما بعده ، ووعد الله بقوله { سندخلهم } لأنه بمعنى نعدهم إدخالهم وحقا على أنه حال من المصدر . { ومن أصدق من الله قيلا } جملة مؤكدة بليغة ، والمقصود من الآية معارضة المواعيد الشيطانية الكاذبة لقرنائه بوعد الله الصادق لأوليائه ، والمبالغة في توكيده ترغيبا للعباد في تحصيله .