المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَإِذَا تُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتُنَا بَيِّنَٰتٖ قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَيُّ ٱلۡفَرِيقَيۡنِ خَيۡرٞ مَّقَامٗا وَأَحۡسَنُ نَدِيّٗا} (73)

73- وكان الكافرون في الدنيا إذا تليت عليهم آيات الله واضحة الدلالة أعرضوا عنها ، وقالوا للمؤمنين - معتزين بمالهم وجمعهم - لستم مثلنا حظاً في الدنيا ، فنحن خير منكم منزلا ومجلساً ، فكذلك سيكون حظنا في الآخرة التي تؤمنون بها .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَإِذَا تُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتُنَا بَيِّنَٰتٖ قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَيُّ ٱلۡفَرِيقَيۡنِ خَيۡرٞ مَّقَامٗا وَأَحۡسَنُ نَدِيّٗا} (73)

{ 73 - 74 } { وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا * وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا }

أي : وإذا تتلى على هؤلاء الكفار آياتنا بينات ، أي : واضحات الدلالة على وحدانية الله وصدق رسله ، توجب لمن سمعها صدق الإيمان وشدة الإيقان ، قابلوها بضد ما يجب لها ، واستهزءوا بها وبمن آمن بها ، واستدلوا بحسن حالهم في الدنيا ، على أنهم خير من المؤمنين ، فقالوا معارضين للحق : { أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ } أي : نحن والمؤمنون { خَيْرٌ مَقَامًا } أي : في الدنيا ، من كثرة الأموال والأولاد ، وتوفر الشهوات { وَأَحْسَنُ نَدِيًّا } أي مجلسا . أي : فاستنتجوا من هذه المقدمة الفاسدة ، أنهم أكثر مالا وأولادا ، وقد حصلت لهم أكثر مطالبهم من الدنيا ، ومجالسهم وأنديتهم مزخرفة مزوقة .

والمؤمنون بخلاف هذه الحال ، فهم خير من المؤمنين ، وهذا دليل في غاية الفساد ، وهو من باب قلب الحقائق ، وإلا فكثرة الأموال والأولاد ، وحسن المنظر ، كثيرا ما يكون سببا لهلاك صاحبه ، وشقائه ، وشره ، ولهذا قال تعالى : { وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا }

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَإِذَا تُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتُنَا بَيِّنَٰتٖ قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَيُّ ٱلۡفَرِيقَيۡنِ خَيۡرٞ مَّقَامٗا وَأَحۡسَنُ نَدِيّٗا} (73)

ثم تسوق السورة بعد ذلك موقف الكافرين عند سماعهم لآيات الله - تعالى - كما تسوق ما قالوه للمؤمنين على سبيل التفاخر عليهم ، وما رد به القرآن على هؤلاء المترفين المتعالين ، قال - تعالى - : { وَإِذَا تتلى . . . } .

قوله - سبحانه - : { وَإِذَا تتلى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بينات . . } حكاية لما قاله الكافرون للمؤمنين على سبيل التباهى والتفاخر .

أى : وإذا تتلى على هؤلاء المشركين المنكرين للبعث آياتنا البينات الواضحات ، الدالة على صحة وقوع البعث والحساب يوم القيامة { قَالَ الذين كَفَرُواْ } على سبيل العناد والتعالى { لِلَّذِينَ آمنوا } بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، قالوا لهم انظروا { أَيُّ الفريقين خَيْرٌ مَّقَاماً وَأَحْسَنُ نَدِيّاً } .

والمقام - بفتح الميم - : مكان القيام والمراد به مساكنهم ومنازلهم التى يسكنونها وينزلون بها .

والندى والنادى والمنتدى : مجلس القوم ومكان تجمعهم .

يقال : ندوت القوم أندوهم ندوا ، إذا جمعتهم فى مجلس للانتداء . ومنه : دار الندوة للمكان الذى كانت تجتع فيه قريش للتشاور فى أمورها .

أى : وإذا تتلى على هؤلاء الكافرين آياتنا الدالة على وحدانيتنا وقدرتنا وعلى أن البعث حق . قالوا للمؤمنين على سبيل الاحتقار لهم : نحن وأنتم أينا خير من الآخر مكانا ، وأحسن مجلسا ومجتمعا فهم يتفاخرون على المؤمنين بمساكنهم الفارهة ، ومجالسهم التى يجتمع فيها أغنياؤهم ووجهاؤهم .

قال الجمل فى حاشيته : " أى قالوا للمؤمنين : انظروا إلى منازلنا فتروها أحسن من منازلكم وانظروا إلى مجلسنا عند التحدث ومجلسكم ، فترونا نجلس فى صدر المجلس ، وأنتم جالسون فى طرفه الحقير . فإذا كنا بهذه المثابة وأنتم بتلك فنحن عند الله خير منكم ، ولو كنتم على حق لأكرمكم الله بهذه الأمور كما أكرمنا بها " .

وما حكاه الله - تعالى - عن هؤلاء الكافرين فى هذه الآية ، قد جاء ما يشبهه فى آيات أخرى ، ومن ذلك قوله - تعالى - : { وَقَالُواْ نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ }

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَإِذَا تُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتُنَا بَيِّنَٰتٖ قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَيُّ ٱلۡفَرِيقَيۡنِ خَيۡرٞ مَّقَامٗا وَأَحۡسَنُ نَدِيّٗا} (73)

قرأ الأعرج وابن محيصن وأبو حيوة «يتلى » بالياء ، من تحت ، وسبب هذه الآية أن كفار قريش لما كان الرجل منهم يكلم المؤمن في معنى الدين فيقرأ عليه القرآن ويبهره بآيات النبي عليه السلام ، كان الكافر منهم يقول إن الله إنما يحسن لأحب الخلق إليه وإنما ينعم على أهل الحق ونحن قد أنعم الله علينا دونكم فنحن أغنياء وأنتم فقراء ونحن أحسن مجلساً وأجمل شارة فهذا المعنى ونحوه هو المقصود بالتوقيف في قوله { أي الفريقين } ، وقرأ نافع وابن عامر «مَقاماً » بفتح الميم { ولا مَقام لكم }{[8020]} [ الأحزاب : 13 ] بالفتح أيضاً ، وهو المصدر من قام أو الظرف منه أي موضع القيام ، وهذا يقتضي لفظ المقام إلا أن المعني في هذه الآية يحرز أنه واقع على الظرف فقط ، وقرأ أبيّ { في مُقام أمين } [ الدخان : 51 ] بضم الميم ، وقرأ ابن كثير «مُقاماً » بضم الميم وهو ظرف من أقام وكذلك أيضاً يجيء المصدر منه مثل { مجراها ومرساها }{[8021]} [ هود : 41 ] وقرأ { في مَقام أمين } [ الدخان : 51 ] { ولا مَقام لكم } [ الأحزاب : 13 ] بالفتح ، وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم جميعهن بالفتح ، وروى حفص عن عاصم «لا مُقام لكم » بالضم . و «الندي » والنادي المجلس فيه الجماعة ومن قول حاتم الطائي :

فدعيت في أولى الندي . . . ولم ينظر إليَّ بأعين خزر{[8022]}


[8020]:من قوله تعالى في الآية (13) من سورة (الأحزاب): {وإذ قالت طائفة منهم يأهل يثرب لا مقام لكم}.
[8021]:من قوله تعالى في الآية (51) من سورة (الدخان): {إن المتقين في مقام أمين}.
[8022]:البيت من أبيات قالها حاتم يمدح بني بدر، وهو في الديوان، وفي اللسان (خزر)، والندي: المجلس ما دام القوم مجتمعين فيه، والجمع: الأندية. والخزر: جمع خزراء، وهو ضيق العين، وقيل: هو أن يكون الإنسان كأنه ينظر بمؤخرها. والبيت هنا شاهد على أن الندي هو المجلس فيه الجماعة.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَإِذَا تُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتُنَا بَيِّنَٰتٖ قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَيُّ ٱلۡفَرِيقَيۡنِ خَيۡرٞ مَّقَامٗا وَأَحۡسَنُ نَدِيّٗا} (73)

عطف على قوله { ويقول الإنسان أإذا ما مت لسوف أخرج حياً } [ مريم : 66 ] وهذا صنف آخر من غرور المشركين بالدنيا وإناطتهم دلالة على السعادة بأحوال طيب العيش في الدنيا فكان المشركون يتشففون على المؤمنين ويرون أنفسهم أسعد منهم .

والتّلاوة : القراءة . وقد تقدمت عند قوله تعالى : { واتبعوا ما تتلو الشياطين على مُلك سليمان } في البقرة ( 102 ) ، وقوله : { وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً } في أول الأنفال ( 2 ) . كان النبي يقرأ على المشركين القرآن فيسمعون آيات النعي عليهم وإنذارهم بسوء المصير ، وآيات البشارة للمؤمنين بحسن العاقبة ، فكان المشركون يكذّبون بذلك ويقولون : لو كان للمؤمنين خير لعُجل لهم ، فنحن في نعمة وأهل سيادة ، وأتباع محمّد من عامة الناس ، وكيف يفوقوننا بل كيف يستوون معنا ، ولو كنا عند الله كما يقول محمد لمنّ على المؤمنين برفاهية العيش فإنّهم في حالة ضنك ولا يساووننا فلو أقصاهم محمد عن مجلسه لاتّبعناه ، قال تعالى : { ولا تطرد الذين يدعون ربّهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء منّ الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين } [ الأنعام : 52 ، 53 ] ، وقال تعالى : { وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيراً ما سبقونا إليه } [ الأحقاف : 11 ] . فلأجل كون المشركين كانوا يقيسون هذا القياس الفاسد ويغالطون به جعل قولهم به معلّقاً بزمان تلاوة آيات القرآن عليهم . فالمراد بالآيات البيّنات : آيات القرآن ، ومعنى كونها بيّنات : أنّها واضحات الحجّة عليهم ومفعمة بالأدلّة المقنعة .

واللاّم في قوله { للّذين آمنوا } يجوز كونها للتّعليل ، أي قالوا لأجل الذين آمنوا ، أي من أجل شأنهم ، فيكون هذا قول المشركين فيما بينهم . ويجوز كونها متعلقة بفعل { قَالَ } لتعديته إلى متعلّقه ، فيكون قولهم خطاباً منهم للمؤمنين .

والاستفهام في قولهم { أيُّ الفريقين } تقريريّ .

وقرأ من عدا ابن كثير { مَقاماً } بفتح الميم على أنه اسم مكان مِن قام ، أطلق مجازاً على الحظ والرفعة ، كما في قوله تعالى : { ولمن خاف مقام ربّه جنتان } [ الرحمن : 46 ] ، فهو مأخوذ من القيام المستعمل مجازاً في الظهور والمقدرة .

وقرأه ابن كثير بضم الميم من أقام بالمكان ، وهو مستعمل في الكون في الدنيا . والمعنى : خيرٌ حياةً .