إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَإِذَا تُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتُنَا بَيِّنَٰتٖ قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَيُّ ٱلۡفَرِيقَيۡنِ خَيۡرٞ مَّقَامٗا وَأَحۡسَنُ نَدِيّٗا} (73)

وقوله تعالى : { وَإِذَا تتلى عَلَيْهِمْ } الآية إلى آخرها حكايةٌ لما قالوا عند سماعِ الآياتِ الناعية عليهم فظاعةَ حالِهم ووخامةَ مآلِهم ، أي وإذا تتلى على المشركين { آياتنا } التي من جملتها هاتيك الآياتُ الناطقةُ بحسن حالِ المؤمنين وسوءِ حال الكفرةِ وقوله تعالى : { بينات } أي مِرتّلاتِ الألفاظ مبيَّناتِ المعاني بنفسها أو ببيان الرسول عليه الصلاة والسلام أو بيِّناتِ الإعجاز ، حالٌ مؤكدةٌ من آياتنا { قَالَ الذين كَفَرُواْ } أي قالوا ، ووضعُ الموصولِ موضعَ الضمير للتنبيه على أنهم قالوا ما قالوا كافرين بما يتلى عليهم رادّين له ، أو قال الذين مرَدوا منهم على الكفر ومرَنوا على العتوّ والعِناد وهم النضْرُ بنُ الحارثِ وأتباعُه الفجرةُ واللام في قوله تعالى : { لِلَّذِينَ آمَنُواْ } للتبليغ كما في مثل قوله تعالى : { وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ } وقيل : لامُ الأجْل كما في قوله تعالى : { وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ لَوْ كَانَ خَيْراً مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ } أي قالوا لأجلهم وفي حقهم ، والأولُ هو الأولى لأن قَبولَهم ليس في حق المؤمنين فقط كما ينطِق به قوله تعالى : { أي الفريقين } أيُّ المؤمنين والكافرين كأنهم قالوا : أينا { خَيْرٌ } نحن أو أنتم { مَقَاماً } أي مكاناً ، وقرئ بضم الميم أي موضِعَ إقامةٍ ومنزلٍ { وَأَحْسَنُ نَدِيّاً } أي مجلِساً ومجتمَعاً . يروى أنهم كانوا يرجّلون شعورَهم ويدهنونها ويتطيبون ويتزينون بالزينة الفاخرةِ ثم يقولون ذلك لفقراء المؤمنين ، يريدون بذلك أن خيريّتَهم حالاً وأحسنيّتَهم مآلاً مما لا يقبل الإنكارَ وأن ذلك لكرامتهم على الله سبحانه وزُلْفاهم عنده ، إذ هو العيارُ على الفضل والنقصانِ والرفعة والضَّعة وأن من ضرورته هوانَ المؤمنين عليه تعالى لقصور حظِّهم العاجلِ ، وما هذا القياسُ العقيمُ والرأيُ السقيم إلا لكونهم جهَلةً لا يعلمون إلا ظاهراً من الحياة الدنيا وذلك مبلغُهم من العلم فرُدَّ عليهم ذلك من جهته تعالى بقوله : { وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مّن قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثاً ورئيا } .