اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَإِذَا تُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتُنَا بَيِّنَٰتٖ قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَيُّ ٱلۡفَرِيقَيۡنِ خَيۡرٞ مَّقَامٗا وَأَحۡسَنُ نَدِيّٗا} (73)

قوله تعالى{[22206]} : { وَإِذَا تتلى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بِيِّنَاتٍ } الآية{[22207]} .

لما أقام الحجة{[22208]} ، على مشركي قريش المنكرين للبعض ، وأتبعه بالوعيد حكى عنهم أنهم عارضوا حجة الله بكلام ، فقالوا : لو كنتم أنتم{[22209]} على الحق وكنا على الباطل لكان حالكم في الدنيا أحسن من حالنا ، لأنَّ الحكيمَ لا يليق به أن يوقع أولياءه المخلصين{[22210]} في الذل وأعداءه المعرضين عن خدمته في العز والراحة ، وإنما{[22211]} كان الأمر بالعكس ، فإنَّ الكفار في النعمة والراحة{[22212]} والاستعلاء ، والمؤمنين كانوا في ذلك الوقت في الخوف والقلة ، فدل على أنَّ الحق{[22213]} ليس من المؤمنين ، هذا حاصل شبهتهم .

وقوله : { آيَاتُنَا بِيِّنَاتٍ } أي : واضحات ، وقيل : مرتلات ، وقيل : ظاهرات الإعجاز{[22214]} .

{ قَالَ الذين كَفَرُواْ }{[22215]} يعني النضر بن الحارث وذويه من قريش { لِلَّذِينَ آمنوا } يعني فقراء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وكانت فيهم قشافة{[22216]} ، وفي عيشهم خشونةٌ ، وفي ثيابهم رثاثةٌ{[22217]} ، وكان المشركون يرجلون شعورهم ، ويلبسون خير ثيابهم ، فقالوا للمؤمنين { أَيُّ الفريقين خَيْرٌ مَّقَاماً }{[22218]} منزلاً ومسكناً{[22219]} ، وهو موضع الإقامة ، " وأحْسَنُ نديًّا " أي : مجلساً ، ومثله{[22220]} النادي{[22221]} .

قوله : " مَقَاماً " . قرأ ابن كثير{[22222]} " مُقَاماً " بالضم .

ورُوِيَتْ عن أبي عمرو{[22223]} ، وهي قراءة ابن محيصن وهو موضع الإقامة والمنزل .

والباقون بالفتح{[22224]} وفي كلتا القراءتين{[22225]} يحتمل أن يكون اسم مكان{[22226]} " أو اسم مصدر من قَامَ ثلاثياً ، أو من أقَامَ أي : خير مكان " {[22227]} قياماً{[22228]} أو إقاَمَة{[22229]} .

فصل

قالوا : زيْدٌ{[22230]} خيرٌ من عمروٍ ، وشرٌّ من بكر ، ولم يقولوا : أخير منه ، ولا أشرّ منه ، لأنَّ هاتين اللفظتين كثر استعمالهما فحذفت{[22231]} همزتاهما ، ولم يثبتا إلا في فعل التعجب ، " فقالوا : أخير بزيدٍ وأشرر بعمرو ، وما أخْيَر زيْداً ومَا أشرَّ عَمْراً .

والعلة في إثباتها في فعلي التعجب أنَّ " {[22232]} استعمال هاتين اللفظتين اسماً أكثرُ من استعمالهما فعلاً ، فحذفت الهمزةُ في موضع " الكثرة ، وبقيتْ على أصلها في موضع " القلة ثابتة{[22233]} . والنَّديّ{[22234]} فعيل ، أصله : نَدِيو{[22235]} ، لأنَّ لامه واو{[22236]} ، يقال : ندوتُهُمْ أندوهم ، أي : أتَيْتُ نَاديَهُمْ{[22237]} والنَّادِي ، مثله ، ومنه{[22238]} : { فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ }{[22239]} أي : أهل ناديه . والنَّدِيِّ{[22240]} والنَّادي مجلس القوم ومحدثهم .

وقيل : هو مشتق من النَّدى ، وهو الكرم ، لأنَّ الكرماء يجتمعون فيه . وانْتَديْتُ المكان والمنتدى كذلك ، " وقال حاتم{[22241]} " {[22242]} :

ودُعِيتُ في أولَى النَّديِّ ولَمْ *** يُنْظَر " إليّ بأ " {[22243]} عْيُنٍ خُرْزِ{[22244]}

والمصدر النَّدو{[22245]} . و " مَقَاماً " و " نَدِيًّا " منصوبان على التمييز من أفعل{[22246]} .

وقرأ أبو حيوة والأعرج{[22247]} وابن محيصن " يُتْلَى " {[22248]} بالياء من تحت ، والباقون بالتاء من فوق{[22249]} . واللام في " اللَّذينَ " {[22250]} يحتمل أن تكون للتبليغ{[22251]} ، وهو الظاهر ، وأن تكون للتعليل{[22252]} .


[22206]:تعالى: سقط من ب.
[22207]:الآية: سقط من ب، وكتبت الآية إلى قوله: {خير مقاما}.
[22208]:من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي 21/246-247.
[22209]:أنتم: سقط من ب.
[22210]:في ب: مخلصين.
[22211]:في ب: إنما.
[22212]:في ب: في الراحة والنعمة.
[22213]:في ب: الخوف. وهو تحريف.
[22214]:آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي 21/346-247.
[22215]:من هنا نقله ابن عادل عن البغوي 5/391.
[22216]:القشف: قذر الجلد. قشف يقشف قشفا وتقشّف: لم يتعهد الغسل والنظافة، فهو قشف ورجل متقشّف: تارك النظافة والترفه. اللسان (قشف).
[22217]:الرّث والرّثة والرّثيث: الخلق الخسيس البالي من كل شيء، تقول: ثوب رث وحبل رث رجل رث الهيئة في لبسه، وأكثر ما يستعمل فيما يلبس، والجمع رثاث. اللسان (رثث).
[22218]:خير: سقط من ب.
[22219]:في ب: ومسكنا ومنزلا.
[22220]:في ب: ومنه.
[22221]:آخر ما نقله هنا عن البغوي 5/391.
[22222]:تقدم.
[22223]:هو أبو عمرو بن العلاء المازني النحويّ، المقرئ، أحد القراء السبعة، كان إمام أهل البصرة في القراءة، والنحو، واللغة، أخذ عن جماعة من التابعين، وقرأ القرآن على سعيد بن جبير، ومجاهد، وروى عن أنس بن مالك، وأبي صالح السّمان، وعطاء، وطائفة، مات سنة 154 هـ. بغية الوعاة 2/231-232.
[22224]:السبعة (411)، الحجة لابن خالويه (239) الكشف 2/91، البحر المحيط 6/410، النشر 2/318-319، الإتحاف (300).
[22225]:في ب: القولين القراءتين. وهو تحريف.
[22226]:في ب: اسمها اسم مكان: وهو تحريف.
[22227]:ما بين القوسين سقط من ب.
[22228]:في ب: قيامة. وهو تحريف.
[22229]:لأن المصدر الميميّ من الثلاثي يكون على وزن (مفعل)، واسم المكان من الثلاثي الذي مضارعه (يفعل) يكون على وزن مفعل. والمصدر الميمي واسم المكان من أفعل يكونان على وزن اسم المفعول. أي: على وزن مفعل. التبيان 2/879، شرح الشافية 1/168، 181،186.
[22230]:في ب: ذلك. وهو تحريف.
[22231]:في ب: فحذف.
[22232]:ما بين القوسين سقط من ب.
[22233]:انظر شرح الكافية 2/212، 308، شرح التصريح 2/100-511 حاشية الصبان على الأشموني 3/43.
[22234]:في ب: فصل. وهو تحريف.
[22235]:في الأصل: نديوي، وهو تحريف. و(نديو) اجتمعت فيه الواو والياء في كلمة والسابق منهما ساكن، فقلبت الواو ياء، وأدغمت الياء في الياء، فصار (ندّي) شرح الشافية 3/139.
[22236]:في ب: لام. وهو تحريف.
[22237]:التبيان 2/879.
[22238]:في ب: ومثله.
[22239]:[العلق: 17].
[22240]:والنديّ: سقط من ب.
[22241]:حاتم بن عبد الله بن سعد بن الحشرج الطائي، ويكني أبا عدي أحد شعراء الجاهلية، وكان جوادا يشبه جوده شعره، ويصدق قوله فعله. الخزانة 3/127-130.
[22242]:ما بين القوسين في ب: قال الشاعر.
[22243]:ما بين القوسين سقط من ب.
[22244]:البيت من بحر الكامل، قاله حاتم الطائي. اللسان (خزر). النّدي: المجلس ما دام القوم مجتمعين فيه، والجمع الأندية. الخزر: جمع خزراء، وهو ضيق العين، وقيل: هو أن يكون الإنسان كأنه ينظر بمؤخرها. والشاهد فيه أن (النّدي) هو المجلس فيه الجماعة.
[22245]:انظر التبيان 2/879.
[22246]:انظر البحر المحيط 6/210.
[22247]:الأعرج: سقط من ب.
[22248]:في ب: نديّ. وهو تحريف.
[22249]:تفسير ابن عطية 9/517، البحر المحيط 6/210.
[22250]:في ب: الذين. وهو تحريف.
[22251]:لام التبليغ: هي الجارة لاسم السامع لقول، أو ما في معناه، نحو: قلت له، وأذّنت له، وفسرت له. المغني 1/213.
[22252]:انظر الكشاف 2/420.