فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَإِذَا تُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتُنَا بَيِّنَٰتٖ قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَيُّ ٱلۡفَرِيقَيۡنِ خَيۡرٞ مَّقَامٗا وَأَحۡسَنُ نَدِيّٗا} (73)

الضمير في { عَلَيْهِمْ } راجع إلى الكفار الذين سبق ذكرهم في قوله : { أَئذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً } أي : هؤلاء إذا قرئ عليهم القرآن تعذروا بالدنيا ، وقالوا : لو كنتم على الحق وكنا على الباطل لكان حالكم في الدنيا أطيب من حالنا ، ولم يكن بالعكس ، لأن الحكيم لا يليق به أن يهين أولياءه ويعزّ أعداءه ، ومعنى البينات : الواضحات التي لا تلتبس معانيها . وقيل : ظاهرات الإعجاز . وقيل : إنها حجج وبراهين ، والأوّل أولى . وهي حال مؤكدة لأن آيات الله لا تكون إلا واضحة ، ووضع الظاهر موضع المضمر في قوله : { قَالَ الذين كَفَرُواْ } للإشعار بأن كفرهم هو السبب لصدور هذا القول عنهم ، وقيل : المراد بالذين كفروا هنا : هم المتمردّون المصرّون منهم ، ومعنى قالوا { لِلَّذِينَ آمَنُوا } قالوا : لأجلهم . وقيل : هذه اللام هي لام التبليغ كما في قوله : { وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ } [ البقرة : 247 ] أي خاطبوهم بذلك وبلغوا القول إليهم { أَيُ الفريقين خَيْرٌ مَقَاماً } المراد بالفريقين : المؤمنون والكافرون ، كأنهم قالوا : أفريقنا خير أم فريقكم ؟ قرأ ابن كثير وابن محيصن وحميد وشبل بن عباد «مقاماً » بضم الميم ، وهو موضع الإقامة ، ويجوز أن يكون مصدراً بمعنى الإقامة ، وقرأ الباقون بالفتح أي منزلاً ومسكناً . وقيل : المقام : الموضع الذي يقام فيه بالأمور الجليلة ، والمعنى : أي الفريقين أكبر جاهاً وأكثر أنصاراً وأعواناً ، والنديّ والنادي : مجلس القوم ومجتمعهم ، ومنه قوله تعالى : { وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ المنكر } [ العنكبوت : 29 ] . وناداه جالسه في النادي ، ومنه دار الندوة ، لأن المشركين كانوا يتشاورون فيها في أمورهم ، ومنه أيضاً قول الشاعر :

أنادي به آل الوليد جعفرا *** . . .

/خ80